«ما وراء العرب واليهود»



ليست اعادة صياغة المشرق العربي الاسلامي بما يوافق رغائب الصهيونية والاستعمار المتجدد مقتصرة على الحضور العسكري الدموي في الأرض والبحر والجو، ولكنها تتجلى، مع ذلك وقبله، في أنشطة الثقافة والتعليم، فثمة دعاوى يتولى كبرها كُتّاب غربيون وتابعون لهم عرب حول ما يسمونه (ما بعد الاستعمار) وما يسمونه (وراء العرب واليهود) او (اعادة صنع ثقافة بلاد الشام) أو (الثقافة الخاصة بالبحر المتوسط) والتي يشترك فيها العرب واليهود على ما يذهب اليه «إيمييل ألكالاي» صاحب كتاب «ما وراء العرب واليهود» – انظر ترجمة محمد عناني لكتاب «الاستشراق» – او على ما ذهب اليه محمد أركون من دعوى الثقافة المتوسطية التي تذكرنا بدعوى سابقة لطه حسين كان قد رجع عنها ضمنياً في كثير من كتاباته المتأخرة.


لقد استقر منهج الاستعمار الجديد على ثلاثية اقتحامية متزامنة، ثقافية عسكرية اقتصادية، ففي الوقت الذي تُدمّرُ فيه مدائن العروبة والاسلام، تجتاح العولمة الاقتصادية بلاد العرب والمسلمين وتفرض أحكامها عليهم، وتشغلهم عن التنمية الحقيقة بأوهام ومظاهر خادعة، وتجعلهم سوقاً استهلاكية، سلبية ومنفعلة وذاهلة، كما يشتد حصار الوعي والذائقة عبر وسائل مختلفة تعليمية وثقافية واعلامية.. كل ذلك في حملة شاملة تريد لتستبق اي نهضة حقيقية يمكن ان تتمخض عن ارادة الاستقلال او استقلال الارادة في اكثر من مليار ونصف مليار من البشر وفي مساحات شاسعة من الأرض تمتد في ثلاث قارات مكتنزة بالخيرات..

إن فكرة «ما بعد الاستعمار» تقوم على افتراض خيالي لا على واقع مشهود.

وإنّ فكرة إعادة «صياغة ثقافة بلاد الشام» لا تعدو كونها دعاية صهيونية واضحة.

وإنّ فكرة او شعار «ما وراء العرب واليهود» هي مكرٌ مبيّتٌ يُستغفل به الحمقى ويُصطنعُ المارقون.

وحسبُ أمّة من الهوان ان يُقتحم وعيها، وتُغزى في عقر دارها، ويتحكم اعداؤها في أقواتها..

وذلكم هو البلاء الشديد..