حج ودعوات الملقي
إن تحققت الأماني ببقاء رئيس الوزراء د. هاني الملقي في موقعه بعد الانتخابات النيابية، وهو ما تبدو فرصه قائمة للآن؛ فسيكون كبيراً جداً الدور المطلوب من الحكومة عقب هذه الانتخابات في العشرين من الشهر الحالي.
وبداية، فحكومة الملقي إن استمرت، مع تعديلات في الحقائب تبدو حتمية، فسيختلف المنظور بشأنها؛ إذ لن تعود حكومة "تصريف أعمال" محددة المدة، بل حكومة دائمة، لديها برنامج عمل سيخضع للتدقيق والمحاسبة من قبل مجلس النواب الجديد، وكذلك من قبل الإعلام الذي تعامل مع هذه الحكومة "بحنّية"، لأن عمرها الممتد على فترة أربعة أشهر بين تشكيلها وإجراء الانتخابات النيابية، لا يكفي حتماً للحكم على قدراتها، أو حتى محاسبتها على منجز أو قصور.
في الآن ذاته، فإنه مع عودة د. الملقي إلى "الدوار الرابع"، ستكون بانتظاره، وفريقه الوزاري، ملفات ثقيلة صعبة، وبالتالي أعباء كبيرة، لاسيما فيما يتعلق بما تسلمته الحكومة من ملفات خلال الأسبوع الماضي. ومن ثم، تبدو الحكومة المقبلة محملة بالمسؤوليات حتى قبل أن تقدّم برنامج عملها لنيل الثقة النيابية على أساسه.
فهي، أولا، لديها توصيات "الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية"، وتحديداً الشق المتعلق بإصلاح التعليم وتخليصه من كل عيوبه. وهو ما يجعلنا، كمراقبين، نتابع الأداء الحكومي على هذا الصعيد، بتفاصيله كافة، لاسيما المضي في تعديل المناهج والكتب المدرسية بما ينسجم مع تطور التعليم، ومعالجة الضعف الكبير الذي يعتري العملية التعليمية ككل، ويفضي إلى مخرجات مخجلة.
أما الملف البارز الثاني الذي تحمله حكومة الملقي الحالية، كما المقبلة بإعادة تكليفه تشكيل حكومة جديدة، فهو التوصيات المقدمة من مجلس السياسات الاقتصادية، كما تلك التي ستأتي منه مستقبلا. وهي توصيات مطلوب ترجمتها إنجازا سريعا، للانتقال إلى غيرها من حُزَم الإصلاح. وهنا تخضع الحكومة لرقابة جهة إضافية تتمثل في مجلس السياسات الاقتصادية ذاته، والذي سيتابع مدى الالتزام الحكومي بالتنفيذ، خصوصا أن تبنّي الخطوات العملية المحددة قد تم بالتوافق بين الطرفين.
يضاف، طبعاً، إلى ما سبق من مهام ومسؤوليات، ملفات عابرة للحكومات، والتعامل مع مشهد محلي معقد أمنيا واقتصاديا واجتماعيا. فكثير من التحديات وإن خمدت لفترة، فإنها تظل كامنة، يُتوقع استعادتها، مفاعيلها وتبعاتها، بأوجه متعددة، في أي لحظة؛ سواء كتحدٍ أمني يفرضه أصحاب الفكر المتطرف وتجار المخدرات ومروجوها وأمثالهم، أو كعنف اجتماعي بمظاهر وقوالب متنوعة. هذا إلى جانب المشكلات الاقتصادية ذات الأبعاد الاجتماعية، لاسيما الفقر والبطالة.
ما ينتظر الرئيس ثقيل، بل ومصيري؛ لأن عليه، ووزراء حكومته كافة، دورا كبيرا في إنارة شعلة الأمل بإمكانية إحداث فرق في حياة الناس، ورسم خريطة طريق واقعية لتحقيق التنمية المستدامة التي طال انتظارها. وحتى يتسنى للملقي تحقيق ذلك، فإن عليه التفكر ملياً في الأدوات التي يحتاجها لأجل الوصول إلى هذه الغاية.
وجود د. الملقي اليوم في الحج لأداء الفريضة، يعطيه الفترة الكافية لهذا التفكر الضروري، وتحديدا ما يتعلق بفريقه المقبل إن تحقق له التجديد، بحيث يتوفر له طاقم قادر على النهوض بكل الأعباء السابقة وسواها. وربما أكثر من يحتاجه الرئيس الآن هو الدعوات بالبقاء أولا، وتيسير ما يحتاج من فريق وأفكار تجابهه التحديات، لمواجهة الدعوات برحيله من قبل كل الراغبين بالموقع.
لكن الجميع يعي أن عصر المعجزات انتهى، فيما العمل الجاد والابتعاد عن التشتت هما أساس النجاح.