صناعة الصورة والظاهرة "الأردوغانية" في الانتخابات



في سباق الانتخابات النيابية التي تجري في الأردن يتضح الاهتمام المتنامي في صناعة الصورة للمرشح أولاً وربما للقائمة بعد ذلك، وهذا بدا واضحاً ليس في اليافطات المعلقة في الشوارع، وإنما في الإعلانات والرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي والإذاعات والتلفزيونات، وتوجه بعض المرشحين والقوائم الى إعداد وإنتاج أغانٍ وأفلام قصيرة خاصة بهم للتأثير على جمهور الناخبين.
لا نذيع سراً حين نقول بأن الإسلاميين الأكثر اهتماماً بصناعة الصورة بدءًا من منصة المهرجانات الانتخابية واختيار الأماكن، مروراً بالتنظيم المحكم وليس انتهاءً بأغان خاصة وأفلام قصيرة معدة لهم، وشعارات تحظى بالاهتمام.
قوائم تحالف الإصلاح الذي يقوده حزب جبهة العمل الإسلامي في مهرجانها الأول في عبدون كانت تبث مباشرة على الفيسبوك، والأكثر جاذبية هو تحللهم من قبضة الشعارات والأغاني الإسلامية نحو فضاءات أوسع يمثلها الفلكلور والتراث.
الأمر بالتأكيد لا يقتصر على مرشحي حزب جبهة العمل الإسلامي، فالمرشح محمد نوح القضاة وقائمته "يقين" يفعلون ذات الأمر، ويحاولون الاستحواذ على عقول الناخبين بالاعتماد على صناعة الصورة وتأثيراتها، هذا عدا عن الخطاب الجدلي الذي يوظف الدين.
من حق الجميع استخدام الإعلام والتطور المذهل في وسائل الاتصال، ويحسب لبعض المرشحين الشجاعة حين يقررون الدخول في حوارات صوت وصورة مباشرة على الفيسبوك، وهذا ما فعله مؤخراً المرشح خليل عطية.
في غمرة هذه المهرجانات والتنافس على استقطاب مشاعر الناخبين للوصول لأصواتهم تذكرت مهرجانات حماس، وحزب الله، وتيار المستقبل في لبنان وشعارهم بعد اغتيال الحريري "ما بنتركك والسما زرقا"، ولازمني شعور طاغ بأن الكثير من المرشحين يحاولون استحضار الظاهرة "الأردوغانية"، فهذه"الكريزما" تستحضر مخزوناً شعبياً مختلفاً قادرا على تجييش الشارع معه.
بالتأكيد الحديث عن إنتاج صورة جديدة في المهرجانات ووسائل الإعلام وخاصة "السوشيال ميديا" يحتاج ليس فقط لأفكار خلاقة مبدعة وعقول تفكر خارج الصندوق، بل لأموال وميزانيات مالية كبيرة، ويرى بعض المرشحين أن هذا التوجه غير منتج انتخابياً، وما يزالون يركزون على الاتصال المباشر مع جمهور الناخبين، وبعضهم ما يزال يرى أن أقصر الطرق للوصول لقبة البرلمان صرف الوعود والنقود بطرق شتى حتى ينجحوا ويفلتوا من ملاحقة القانون.
الدعاية الانتخابية تملأ شوارع وطرقات عمان والمدن الرئيسية، وتعتبر الانتخابات موسماً للرزق وتحقيق الأرباح، وهو أمر لا يقتصر على المطاعم ومحلات الحلويات، وقبل العيد ستستخدم الأضاحي وسيلة لشراء الذمم، لكن أيضاً فإن بعض وسائل الإعلام لم تضع حداً فاصلاً بين الإعلان والإعلام، وبالتدقيق نجد صحفاً ومواقع إلكترونية قد أوصلت مرشحين منذ الآن للقبة، وبرامج حوارية على إذاعات وتلفزيونات مدفوعة الأجر دون التنويه والإعلان عن ذلك.
ورغم أن الدراسات تقول بأن الإعلام المحترف الخاسر الأول وخاصة الصحافة المطبوعة والإلكترونية لصالح وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الرقابة لأداء وسائل الإعلام ما تزال مطلوبة لتصحيح المسار ولتعظيم التغطية المستقلة التي تسلط الضوء على القضايا المجتمعية والحقوقية، وتلتزم بالمعايير المهنية والأخلاقية.
حين ندقق في أداء وسائل الإعلام، وحتى حين نركز على المتغيرات التي صنعتها وسائل التواصل الاجتماعي، فنحن نرى أيضاً الدور الإيجابي الكبير لوسائل الإعلام في فضح الانتهاكات التي تقع في الانتخابات، وفي كشف شراء الأصوات، والتعدي على سيادة القانون والتأثير على إرادة الناخبين.
سأعطي مثالاً صارخاً على استخدام السلاح بكثافة في افتتاح مقرات انتخابية أو بالترحيب بمرشحين، إذا كان هذا يحدث قبيل الانتخابات، فما الضمانات لعدم ترهيب الناخبين والتأثير على إرادتهم، وما هي الضمانات لعدم التلاعب بصناديق الاقتراع إذا كانت الجهات المكلفة بإنفاذ القانون لا تستطيع أن تضع حداً لهؤلاء؟!
باختصار، هناك متغيرات عديدة في هذه الانتخابات، أولها قانون جديد للانتخاب، وقوائم جلها أشخاص، ومرشحون قرروا أن يرفعوا معاً صوتهم عالياً للمطالبة بالدولة المدنية، بعد أن كان هذا الأمر "تابو" وشعار "الإسلام هو الحل" هو الخيار الوحيد المطروح، وإعلام جديد يسيطر على المشهد، ومؤسسات مجتمع مدني تراقب وتجتهد وتصنع فرقا.