المناهج التعليمية والهوية
التطور ضرورة وجودية، وسنة كونية لتحقيق الاستمرارية والبقاء في معترك الحياة النابضة المترقية، ولا تكون تنمية شاملة وحقيقية، دون تطوير التعليم، بكل اركان العملية التعليمية. ليس هناك عاقل يرفض التطوير والتحسين في المناهج، معارف ومحتوى عقلاني، وطرائق تدريس متقدمة، ومعلمون ومهارات التفكير العلمي الصحيح، ومواكبة العصر، بل ننادي بهذا وندعمه. لكن لا يتم التطوير الحقيقي، دون المحافظة على اسس الهوية الثقافية لأمة ذات حضارة عظيمة وعريقة من حقها ان تقتبس ولكن لا تستبدل، ومن واجبها الانفتاح على المنتجات الحضارية الانسانية بثقة واعية وليس بهزيمة مغلفة، ومعتمدة منهج المراجعة والتقويم لمسيرتها ودورها ومركزها في خارطة الوجود الانساني الحضاري، دون هدم للاسس او انسلاخ من الاصول.
من الصعوبة المعجزة النجاح في التنمية الشاملة لأي وطن والارتقاء بالتعليم ومخرجاته اذا اسس التطوير المتصور لصراع داخلي او امده بأسباب الاستقواء والديمومة، بين الاصالة والحداثة او بين التمسك بمرتكزات هوية الامة وفي مقدمتها الدين، ومحاولات تهيئتها وإضعافها او تقويضها. كما اكدت الدراسات العلمية والعديد من الخبراء الدوليين في التنمية ان اهم اسباب فشل خطط التنمية في العالم الثالث ضحالة البعد الثقافي للمجتمع فيها، والنسخ من خطط تنمية ناجحة لمجتمعات اخرى مختلفة ثقافة وحضارة وتاريخ تطور. فكيف سيكون الحال اذا تعلق الامر بمرجعيات الامة الثقافية واسس هويتها؟
ان صراعا خفيا احيانا وظاهرا ودمويا احايين اخرى قد دار، او ما زال، واموالا كثيرة تهدر، فضلا عن الدماء في العالم العربي والاسلامي بفعل المشاريع التي تستهدف مرجعيات الامة الثقافية والحضارية، وسلخ الشعوب منها، ودفعها في مسارات اخرى باسم الحداثة والتنوير والتخلص من الماضوية، وفرض العقلانية، والقيم المدنية التي تعني العلمانية، وغير ذلك من مصطلحات او عناوين دعائية اعلانية احتكارية وغير موضوعية، وبأساليب وأدوات إكراهية تسلطية وتعسفية!
هل يعقل ان يعتبر البعض حذف درس من القرآن الكريم، او من الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم او من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وحذف صورة المرأة المحجبة التي تمثل اغلب النساء وبخاصة الامهات في مجتمعنا في بعض مناهج الصفوف الاساسية، هل يعقل اعتباره انتصارا او انجازا ينوه به وترفع له قبعاتهم؟ وانه ازالة لأحد مصادر التطرف والعنف؟ علما بأن هذا واكثر منه كان موجودا سابقا، ولم يظهر تطرف اسلامي او نحوه، وما ذر التطرف بقرنه إلا في ظلال الغزو الاستعماري الابشع، او بسبب عربدة الاستبداد والظلم حديثا.
واذا كان أولئك يحفظون آية (لا اكراه في الدين ..)، ليستشهدوا بها على صحة طروحاتهم، فإننا نؤمن بها وبكل ما جاء به القرآن، ونحفظها قبلا. كما التزمت بها الامة منطوقا وإشارة، ثقافة وتطبيقا، عبر قرون وجودها المديدة، حيث لم يرتكب في ذلك خطأ، او لم تقره اذا وقع، فإنه من المؤكد ايضا ـنه لا إكراه في غير الدين، ايا كان فكرة او منهجا او ثقافة؟
تطوير المناهج التعليمية عملية هامة جدا، دقيقة وحساسة، مجتمعية ووطنية عامة، يترابط فيها الماضي والحاضر والمستقبل على كل الاجيال اثرها وفي كل بيت تأثيرها الذي يستوجب ان يتم تعديلها بأي صورة من خلال المؤسسات الوطنية المختصة، وبشراكة مجتمعية، حقيقية ومدروسة بعمق، لا يغيب عنها اي من مكونات المجتمع، وبصورة لا لبس فيها ولا التواء، ومن خلال خبراء وطنيين موثوقين وأكفياء.
نؤكد وحدة الشعب والمجتمع، وندعم بكل قوة أمنه واستقراره، والسلام الاهلي والعيش المشترك في مناخات دائمة الطمأنينة مؤسسة على الثقة والتعاون. ولا يقبل من آحاد او فئة من الناس دفع الدولة بدوائرها المعنية، كي تنحاز ضد احد او بعض مكوناتها الاجتماعية، والثقافية الاكبر، او الاصغر او ما بينهما لانتزاع مكاسب فئوية او تياراتية، ومن خلال مدافعات تأزيمية، تفجيرية، مصادرة ما استقر من معتقدات صحيحة وراسخة، وثقافة يعتز اهلها بها، وتشكل اساس هوية المجتمع، لنقل موضوع التطرف في المنطقة الذي أدانته الامة كلها الى بيتنا الوطني، لإحراز تقدم او كسب نجاح بالتسلل او الا ستغفال او التضليل او القهر.
في تاريخنا عندما دخل الجيش مدينة سمرقند في ولاية عمربن عبد العزيز قبل اربعة عشر قرنا تقريبا، دون طرح الخيارات على الناس، وبناء على شكوى من اهلها، وان لم يتمكنوا او يرغبوا في المقاومة، حيث الفارق اكثر من هائل في القوة، أمر رأس الدولة الامبراطورية ورئيسها الفقيه التقي بسحب الجيش كله من المدينة الى خارجها، ثم التفاوض من جديد، فأسلم اهل المدينة بكل حريتهم.
ولكن رئيس اقوى دولة في العالم، علمانية وديمقراطية وتنصب نفسها حامية لحقوق الانسان او بمعنى ادق وصية عليها وموظفة لها وبخاصة خارج حدودها، رفض الاعتذار في القرن الواحد والعشرين، بعد اكثر من سبعين عاما، للشعب الياباني، من حرق مئات الألوف بالقنابل الذرية وتدمير مدينتين كاملتين! وللشعب الفيتنامي الذي قتل منه عدة ملايين في حرب التحرير ضد الاحتلال الامريكي في النصف الثاني من القرن الماضي، وللشعب العراقي الذي قتل منه اكثر من مليون انسان جراء الغزو، فضلا عن تدمير الدولة بذرائع ثبت كذبها باعتراف الغزاة انفسهم، ومثل ذلك كثير في تاريخ اوروبا الحديث، دون انكار او تنكر لإنجازاتهم العلمية والحضارية، وندين التطرف والارهاب المنسوب لبعض المسلمين وحتى مع التكرار الممل الذي أدانته الامة كلها وتبرأت منه، إلا أنه ليس اكثر بشاعة في نتائجه من ذلك الغزو الامريكي او العدوان الروسي الذي ما زال ينفذ مذبحة ضد الشعب السوري، إذ ان هذا العدوان والوحشية بعض اسباب الارهاب الاساسية.
منذ عهد المرحوم طه حسين الذي قال يجب نقبل اوروبا بعجرها وبجرها اذا ارادت مصر النهوض، وحتى الان هناك من يريد ويسعى لأن تكون المجتمات الغربية الديمقراطية هي الصورة المثالية والنهائية التي ينبغي ان نطمح اليها، وان كثيرا من هؤلاء ايضا قد عملوا على افشال الديمقراطية التي لم تصعدهم، ووقفوا مع القوى المضادة للربيع العربي، ودعموا بكل قوة الانقلاب على الديمقراطية التي ضحت الشعوب، ولا سيما الشباب للظفر بها، وهم ايضا من يريد تغيير المناهج التعليمية التربوية على هواهم.
هناك قلق حقيقي لدى كثير، او لدى الاكثرية من الناس تولده طروحات ومشاريع عديدة من بينها موضوع المناهج، وبخاصة ما يتعلق بالتربية الاسلامية وبالتاريخ واللغة العربية، كما يعظم هذا القلق تصدي كتاب وسياسيين من الفئة الموصوفة آنفا للترويج للمشروع ودفع الدولة اليه، هذا في مجتمع تذوق العيش المشترك، واعتمد التفاهم والحوار وسيلة للتقارب والتآخي، وتمتع بسلم أهلي اسهم بإخلاص في بنائه وتجذيره، إلا في قليل من الممارسات المحدودة التي لا يخلو منها مجتمع نام الا قليلا، كما تميز بمزاج معتدل وبثقافة انفتاح، وتدين وسطي مستوعب.
الأصل والعقل والمصالح العليا تقتضي البناء على أرضية هذا الواقع بتفهم وتفاهم اكبر واعتراف بحقائق التلريخ والحاضر، بنظر اكثر عمقا وحكمة، واحترام الأسس الجامعة وتعظيمها، وبجهود مشتركة حتى لا يقع الإضرار بهذا الانجاز الكبير.
مؤلم جدا وخطير جدا ان يفرض على الانسان الاغتراب في وطنه، او التصادم مع فطرته او التنكر لأصالته.
ان صراعا خفيا احيانا وظاهرا ودمويا احايين اخرى قد دار، او ما زال، واموالا كثيرة تهدر، فضلا عن الدماء في العالم العربي والاسلامي بفعل المشاريع التي تستهدف مرجعيات الامة الثقافية والحضارية، وسلخ الشعوب منها، ودفعها في مسارات اخرى باسم الحداثة والتنوير والتخلص من الماضوية، وفرض العقلانية، والقيم المدنية التي تعني العلمانية، وغير ذلك من مصطلحات او عناوين دعائية اعلانية احتكارية وغير موضوعية، وبأساليب وأدوات إكراهية تسلطية وتعسفية!
هل يعقل ان يعتبر البعض حذف درس من القرآن الكريم، او من الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم او من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وحذف صورة المرأة المحجبة التي تمثل اغلب النساء وبخاصة الامهات في مجتمعنا في بعض مناهج الصفوف الاساسية، هل يعقل اعتباره انتصارا او انجازا ينوه به وترفع له قبعاتهم؟ وانه ازالة لأحد مصادر التطرف والعنف؟ علما بأن هذا واكثر منه كان موجودا سابقا، ولم يظهر تطرف اسلامي او نحوه، وما ذر التطرف بقرنه إلا في ظلال الغزو الاستعماري الابشع، او بسبب عربدة الاستبداد والظلم حديثا.
واذا كان أولئك يحفظون آية (لا اكراه في الدين ..)، ليستشهدوا بها على صحة طروحاتهم، فإننا نؤمن بها وبكل ما جاء به القرآن، ونحفظها قبلا. كما التزمت بها الامة منطوقا وإشارة، ثقافة وتطبيقا، عبر قرون وجودها المديدة، حيث لم يرتكب في ذلك خطأ، او لم تقره اذا وقع، فإنه من المؤكد ايضا ـنه لا إكراه في غير الدين، ايا كان فكرة او منهجا او ثقافة؟
تطوير المناهج التعليمية عملية هامة جدا، دقيقة وحساسة، مجتمعية ووطنية عامة، يترابط فيها الماضي والحاضر والمستقبل على كل الاجيال اثرها وفي كل بيت تأثيرها الذي يستوجب ان يتم تعديلها بأي صورة من خلال المؤسسات الوطنية المختصة، وبشراكة مجتمعية، حقيقية ومدروسة بعمق، لا يغيب عنها اي من مكونات المجتمع، وبصورة لا لبس فيها ولا التواء، ومن خلال خبراء وطنيين موثوقين وأكفياء.
نؤكد وحدة الشعب والمجتمع، وندعم بكل قوة أمنه واستقراره، والسلام الاهلي والعيش المشترك في مناخات دائمة الطمأنينة مؤسسة على الثقة والتعاون. ولا يقبل من آحاد او فئة من الناس دفع الدولة بدوائرها المعنية، كي تنحاز ضد احد او بعض مكوناتها الاجتماعية، والثقافية الاكبر، او الاصغر او ما بينهما لانتزاع مكاسب فئوية او تياراتية، ومن خلال مدافعات تأزيمية، تفجيرية، مصادرة ما استقر من معتقدات صحيحة وراسخة، وثقافة يعتز اهلها بها، وتشكل اساس هوية المجتمع، لنقل موضوع التطرف في المنطقة الذي أدانته الامة كلها الى بيتنا الوطني، لإحراز تقدم او كسب نجاح بالتسلل او الا ستغفال او التضليل او القهر.
في تاريخنا عندما دخل الجيش مدينة سمرقند في ولاية عمربن عبد العزيز قبل اربعة عشر قرنا تقريبا، دون طرح الخيارات على الناس، وبناء على شكوى من اهلها، وان لم يتمكنوا او يرغبوا في المقاومة، حيث الفارق اكثر من هائل في القوة، أمر رأس الدولة الامبراطورية ورئيسها الفقيه التقي بسحب الجيش كله من المدينة الى خارجها، ثم التفاوض من جديد، فأسلم اهل المدينة بكل حريتهم.
ولكن رئيس اقوى دولة في العالم، علمانية وديمقراطية وتنصب نفسها حامية لحقوق الانسان او بمعنى ادق وصية عليها وموظفة لها وبخاصة خارج حدودها، رفض الاعتذار في القرن الواحد والعشرين، بعد اكثر من سبعين عاما، للشعب الياباني، من حرق مئات الألوف بالقنابل الذرية وتدمير مدينتين كاملتين! وللشعب الفيتنامي الذي قتل منه عدة ملايين في حرب التحرير ضد الاحتلال الامريكي في النصف الثاني من القرن الماضي، وللشعب العراقي الذي قتل منه اكثر من مليون انسان جراء الغزو، فضلا عن تدمير الدولة بذرائع ثبت كذبها باعتراف الغزاة انفسهم، ومثل ذلك كثير في تاريخ اوروبا الحديث، دون انكار او تنكر لإنجازاتهم العلمية والحضارية، وندين التطرف والارهاب المنسوب لبعض المسلمين وحتى مع التكرار الممل الذي أدانته الامة كلها وتبرأت منه، إلا أنه ليس اكثر بشاعة في نتائجه من ذلك الغزو الامريكي او العدوان الروسي الذي ما زال ينفذ مذبحة ضد الشعب السوري، إذ ان هذا العدوان والوحشية بعض اسباب الارهاب الاساسية.
منذ عهد المرحوم طه حسين الذي قال يجب نقبل اوروبا بعجرها وبجرها اذا ارادت مصر النهوض، وحتى الان هناك من يريد ويسعى لأن تكون المجتمات الغربية الديمقراطية هي الصورة المثالية والنهائية التي ينبغي ان نطمح اليها، وان كثيرا من هؤلاء ايضا قد عملوا على افشال الديمقراطية التي لم تصعدهم، ووقفوا مع القوى المضادة للربيع العربي، ودعموا بكل قوة الانقلاب على الديمقراطية التي ضحت الشعوب، ولا سيما الشباب للظفر بها، وهم ايضا من يريد تغيير المناهج التعليمية التربوية على هواهم.
هناك قلق حقيقي لدى كثير، او لدى الاكثرية من الناس تولده طروحات ومشاريع عديدة من بينها موضوع المناهج، وبخاصة ما يتعلق بالتربية الاسلامية وبالتاريخ واللغة العربية، كما يعظم هذا القلق تصدي كتاب وسياسيين من الفئة الموصوفة آنفا للترويج للمشروع ودفع الدولة اليه، هذا في مجتمع تذوق العيش المشترك، واعتمد التفاهم والحوار وسيلة للتقارب والتآخي، وتمتع بسلم أهلي اسهم بإخلاص في بنائه وتجذيره، إلا في قليل من الممارسات المحدودة التي لا يخلو منها مجتمع نام الا قليلا، كما تميز بمزاج معتدل وبثقافة انفتاح، وتدين وسطي مستوعب.
الأصل والعقل والمصالح العليا تقتضي البناء على أرضية هذا الواقع بتفهم وتفاهم اكبر واعتراف بحقائق التلريخ والحاضر، بنظر اكثر عمقا وحكمة، واحترام الأسس الجامعة وتعظيمها، وبجهود مشتركة حتى لا يقع الإضرار بهذا الانجاز الكبير.
مؤلم جدا وخطير جدا ان يفرض على الانسان الاغتراب في وطنه، او التصادم مع فطرته او التنكر لأصالته.