أولوية إصلاح «التعليم»

قصة التعليم في الأردن قصة نجاح طويلة ومشهود لها، لكن إعترتها بعض العثرات في السنوات الاخيرة لأسباب كثيرة، حري بنا النهوض به وإعادة الالق كمسؤولية جماعية لا يتحملها المعلم او الطالب ، او الوزارة، فالاسرة مسؤولة والمجتمع مسؤول والسياسي مسؤول ايضا.


تحيّيد التعليم وعزله عن محيط المناكفات والمزايدات والجدل المثار حالياً في كثير من المفاصل والتحديات المستجدَّة، ضروري ، فما المانع من استخدام صورة حقيقية لاسرة او غرفة صفية، بدلا من صورة تعبيرية، وما المانع من الغاء التكرار او التداخل بين المواد، وما الخطا في حصر اللغة والنحو بمبحث اللغة العربية؟، فادخال هذا القطاع في مناكفاتنا وتعمّد التوقف المقصود عند الشكليات ومحاولة تضخيمها، يهيء القطاع ليتفتق عنه نتائج وخيمة تربكه وتؤثر فيه سلبا.

ولكون التعليم يحظى برعاية ملكية سامية، من خلال المبادرات والاكاديميات مثل (أكاديمية الملكة رانيا) التي تعد إنموذجا يحتذى، ليس محليا فقط، بل اقليميا وعربيا، والمعاهد ، والجوائز التحفيزية والتقديرية والسنوية للمعلمين والطلبة، فهذا مؤشر على ان هذا المحور الاساسي في مسيرتنا، يجب ان نستمر بالمحافظة على تقدمه وتطوره ، وتحسين مخرجاته، حتى وإن كانت الامكانيات لا تخدم.

لدينا ما هو اهم من المال، فالكفاءات البشرية المطلوبة إقليميا، خير وسيلة للنهوض بهذا القطاع، وهي قادرة بالفعل، خصوصا وان الدولة حريصة كل الحرص على راحة وإستقرار المعلم وتحقيق مآربه، وكلنا يعرف ماذا تحقق للمعلم في السنوات الاخيرة، وماذا يمكن ان نقدم له في المستقبل القريب.

الحديث الصريح والقويّ لجلالة الملكة رانيا قبل ايام عن واقع التعليم وضرورة اصلاحه، وبعدها اقرار استراتيجية تنمية الموارد البشرية كلها جهود تصب في مصلحة القاعدة العريضة بالمجتمع (الطلبة والمعلمين)، وهذا ليس مستغرباً، فجلالتها التي تلامس واقع مدارسنا عن كثب، وزارت معظم المدارس من خلال مبادرة «مدرستي» وغيرها، تعرف احتياجات القطاع ورغائب العاملين فيه، لذلك فتحت آفاقاً واسعة مع دول مثل كندا وبريطانيا، لنقل الخبرات المتقدمة لمعلمينا ومنظومة التعليم لدينا.

إذا أردنا ان نحافظ على الريادة في هذا المجال لا بد لنا من دعم كافة الجهود التي تبذل لاصلاح التعليم والمناهج لتواكب العصر والحداثة من الصف الاول وحتى الثاني عشر، ، فمَن مِنّا لا يجزم بضرورة تحديث المناهج وتطويرها، أو توجيه الطالب للفكر النقدي البنّاء، ووفقا لتطوره النمائي، وتسليحه بالعلم والمعرفة المرنة ، بدلا من التلقين و»التحفيظ»؟ وهذا كله يتم بفكر ورؤية المعلمين وحدهم بلجان متخصصة لكل مساق على حدة، وهي قابلة للمراجعة والتنقيح في نهاية كل عام دراسي.

ومن الطبيعي ان المناهج التي أعدت في سبعينيات القرن الماضي، لا تتواءم مع المتغيرات اليومية في مجال التعليم، وإلا عندها تكون المشكلة في المجتمع نفسه الذي يرفض فكرة التحديث ومجاراة التطورات وجسر الهوة التي تتزايد بيننا وبين دول العالم المتقدم في هذا المجال.

التفكير الدائم في نقد اي تطوير او تحديث لا يحقق تقدما او تطورا في اي بلد كان، وبإمكان المعلم داخل الغرفة الصفية ان يقدم للطالب كل ما من شأنه النضوج بمستوى تفكير طلبتنا وإشراكهم في مناقشة القضايا المطروحة بروح ديمقراطية وحضارية.

والتسريع في دوران عجلة اصلاح التعليم واختصار الزمن، امر ملح للغاية، فالدول تنفق المليارات وتستقطب احسن الكفاءات لتدريس ابنائها، خصوصا في منطقتنا العربية، وهي تحظى برعاية القيادات مباشرة، ونحن لدينا الادارات والكفآت لكن تنقصنا الارادة احيانا، ونتثاقل بتنفيذ واجباتنا،احيانا اخرى.

لكن في مجال مستقبل ابنائنا وبناتنا وتهيئتهم، فحسبنا، ولنضع كل ما يثبط عزائمنا خلفنا ولنمضي جميعاً من أجل مستقبلنا، وبغير ذلك لن نسلم من نتائج التأخير او التثاقل في الالتفات لمعاناة ومشاكل ابنائنا، فهم كنزنا الحقيقي في هذا الزمان.