الموشح في مسالك الناخب والمرشح
يصف أحمد أبو خليل كتابه "الموشح في مسالك الناخب والمرشح" بأنه محصلات متابعة أنثروبولوجي (المؤلف نفسه) للانتخابات الأردنية "من تحت لفوق". وهو في ذلك يرصد السلوك الاجتماعي والثقافي في الانتخابات، كما الظواهر والأفكار المتشكلة حولها، والمفاهيم والمصطلحات الخاصة بالعملية الانتخابية.
ويمنح أبو خليل اهتماما رئيسا لعمليات فرز المرشحين، أو "الانتخابات الأولية"؛ حيث تجرى عمليات سياسية واجتماعية معقدة لا تقل أهمية وتأثيرا عن الانتخابات نفسها، مثل انتخابات فعلية غير رسمية يجري تنظيمها، وقد تنفذها شركة مختصة تتولى إدارة العملية من ألفها إلى يائها، لأجل ضمان استقلاليتها ومؤسسيتها، أو عمليات التفاوض والجدل الداخلي على مستوى البلدات والعشائر.
تتحول التشكلات الاجتماعية والقرابية، بما هي العشائر والبلدات، إلى كيان اجتماعي متماسك وممتد، مؤثر في الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية.. وفي الانتخابات الطلابية في الجامعات. وتُجري هذه التشكيلات اجتماعات وتسويات داخلية وأخرى خارجية، لتنظيم وتسوية التعاون والصراع والتنافس، ولأجل تقييم المرشحين مبدئيا ورسميا. ويتكون أيضا "خطاب انتخابي" يعكس نفسه في مفاهيم ومحتوى تعبر عن هذه العلاقات والتفاعلات الاجتماعية الانتخابية، مثل "له خبز" أو "ليس له خبز" عند الأفراد والجماعات؛ "حاطهم في جيبته"؛ "جماعته معه"؛ "مرشح محسوب أو غير محسوب"؛ "مليان/ شبعان"؛ "يعرف مداخل/ دواحيش الحكومة أو لا يعرف"؛ يقدر أو لا يقدر أن "يُزرُق"؛ "أخذ/ لم يأخذ فرصته"؛ "يستحق/ لا يستحق فرصة"؛ "إيده طايلة"؛ الترتيب و"الدورية" لفلان أو مجموعة معينة. أو التعبير عن المواقف والتفاهمات بمصطلحات معبرة، مثل "أعطينا كلمة"؛ "الغمغمة"؛ "تحت البنديرة"...
لقد تحولت الانتخابات البرلمانية إلى أهم تجليات العشائرية ومؤشرات أهميتها وقوتها. وتفوقت النيابة على الشيخة و"الفاردات" والصلحات والجاهات، وتكاد تحل مكانها أو تبدل فيها باتجاه إسناد الأدوار الاجتماعية القيادية للنائب، إضافة بالطبع إلى الخدمات والمكاسب المادية والمعنوية للعشيرة والمنطقة.
ويعاد بناء/ تخيل هويات عشائرية واجتماعية تلائم الهجرات والشتات، أو متطلبات بناء قواعد اجتماعية أكبر من عشيرة، مثل المناطق والبلدات أو الإثنيات. ثم تمأسس هذه التشكيلات على نحو مشابه للمؤسسات الحكومية والسياسية، مثل اللجان المركزية واللجنة العليا. ويلاحظ أبو خليل أن عمليات الانتخابات التمهيدية لفرز المرشحين تجرى بقدر عال من النزاهة والشفافية، ولم يُطعن في مصداقيتها. كما يجري التحضير لها باستعدادات واتصالات معقدة، تضمن نجاحها وشفافيتها.
وتصاحب الانتخابات عمليات اقتصادية واسعة، بعضها قانوني وبعضها غير قانوني. ففي المجال الأول، هناك الخدمات اللوجستية في النقل وتنظيم المقرات وخدمة وضيافة الضيوف والجمهور، والدعاية الانتخابية، وصناعة الحلويات والولائم. وهناك أيضا، في المقابل، عمليات سمسرة وبيع وشراء للأصوات والمؤيدين وتسجيل الناخبين.
هناك سؤال أردني لا يطرح في العلن، كما يقول أبو خليل: لماذا ينتخب الأردنيون برلمانات لا يرضون عنها ويشعرون أنها لا تمثلهم بالفعل؟ ففي الأردن فقط ينتقد المواطنون نوابهم بقسوة، ويفرحون عندما يحل البرلمان!