حول «البوركيني»
التاريخ لكثرة ما أعاد نفسه علينا، ملّ الإعادة وخلع غلافي الزمن الماضي والحاضر وقفز في بركة اليأس .
ففي زمن سابق وفي ظل حصار مطبق على القسطنطينية من قوى مستعمرة انشغل علماء المدينة بمسائل فقهية لا يمكن حدوثها الا في خيال «الخائف من المواجهة» , مثل جواز الصلاة على سجادة مصنوعة من جلد البراغيث ، وكم من الملائكة يستطيع الوقوف على رأس مسمار ؟ وهل يجوز المضمضة بقبضة من الضباب أم لا؟! وغيرها من الأسئلة المبتكرة بطريقة احترافية للإلهاء ...حيث كان يأخذ الجدال ساعات طوال من الحجة والبرهان والبحث عن الأدلّة، بينما المدينة تذوب رويداً رويداً في قبضة المحتل..
الدول العربية تعاني ما تعانيه من حروب مزمنة، وانقسامات داخلية، وصراعات طائفية، وتوقفّ في النمو، وتراجع في الديمقراطية، وهزائم تاريخية، وعقد مجتمعية تحتاج إلى ألف سنة للنهوض من آثارها، كما أننا الدول الأولى في العالم المصدرة للاجئين من حيث الكم والجودة، والدول الوحيدة المنتجة للطفولة المعلبة في «توابيت بحرية» بعد أن ماتت غرقاً بحثاً عن لقمة العيش - العالم الإسلامي ليس بأفضل حالٍ منا الا من رحم ربي- ومع ذلك نُشغل العالم بصحافته وفضائياته وإعلامه عن منطقية حظر لباس البحر النسائي الإسلامي» البوركيني»!!...نترك كل هذا العريّ الذي يكشفنا أمام إنسانيتنا وبشاعتنا ونفتّش عن لباس يميّزنا ويعيد انتصارنا على شاطئ مختلط!!..
طيب.. أتريدوننا أن ننسى فلسطين والعراق وسوريا وتطلبون رأينا في «البوركيني»؟؟ حسناً.. أولاً الحرية الشخصية التي لا تعتدي على حرية الآخر حصرها وتقنينها ضرب من الجنون في عالم صار مفتوحاً على كل شيء وبالتالي لا يحق لأي دولة في العالم ان تجبرني ماذا ألبس وكيف ألبس ومتى ألبس وماذا أأكل وأين أأكل ومتى أأكل..فالحرية الشخصية في اللباس مصانة للمسلمين ولكل الأديان في البر والبحر والجو ومنعه تخلف وتطرّف..
لكن بالمقابل أنا لا أستطيع أن أذهب إلى «بار» أو «ديسكو» وأطلب هناك كوباً من «ماء زمزم».. وبنفس الوقت أجبر كل من يدخل البار او «الديسكو» أن يعرف أني رجل مستقيم وأشرب مشروباً شرعياً .. بداية، الدخول إلى المكان بحد ذاته مخالفة للمبدأ الذي أتيت لتحارب من أجله...من حقك ان تشرب القهوة أو ماء زمزم في البار «حرية شخصية»...لكنه ليس المكان الملائم لفعل ذلك على الإطلاق ..وبالتالي المرأة المسلمة بالأصل يجب الا تدخل شاطئ مختلطاً تعرف مسبقاً أنه مليء بالعراة وأشباه العراة لترتدي اللباس المحتشم هناك...وجودها في هذا المكان تماماً كصاحبنا الذي حضر إلى البار ليشرب ماء زمزم...وافتعال الخلاف على اللباس في هذا المكان بحد ذاته تناقض يصل بدرجته إلى المناكفة...الأولى أن ترتدي ما شاءت في مسبح مخصص للنساء أو شاطئ للنساء..وان لم يكن هناك شاطئ مخصص للنساء..لها لحق ان تطالب هي وكل المتضررات بتخصيص شاطئ نسائي مغلق..لكن من غير المنطقي..أن تحضر سيدة «البروكيني» الى شاطئ مختلط وتريد من الجميع أن يقتنع أنها تقوم بعمل شرعي...ليس لأن ما تقوم به مخالف لدستور دولة تقيم بها ورضيت بقوانينها وسعت للقدوم اليها وحسب!!..وإنما لأنه «تخبيص» في فهم الدين أيضا..
لا يجوز أن ادخل متعمّداً نادي « striptease» وأطلب منهم الاصطفاف خلفي بعد أن أقيم الصلاة جهراً...
ما بيزبط..!!