حملات لا تفيد سوى أعداء المسلمين
أقمتُ في واشنطن في ثمانينات القرن الماضي وكان لي مكتب في بناية لفندق ماديسون تواجه مبنى «واشنطن بوست». كان المدير التنفيذي للجريدة بن برادلي يتناول الغداء أحياناً في مقهى الفندق، وكنت أراه هناك مع صحافيين من الجريدة أو سياسيين أو زوار. ورأيت بعض مراسلي الجريدة الذين مرّوا عليّ خلال عملي رئيس نوبة في وكالة رويترز في بيروت.
«واشنطن بوست» جريدة راقية، وما تعلمت منها أن الرأي مقدس وحق لصاحبه، لكن الخبر لا يُنشَر إلا إذا تأكد الصحافي من صدقه عبر مصدرَيْن كل منهما مستقل عن الآخر. هذا في الجريدة التي نشرت أوراق البنتاغون، وأيضاً فضيحة ووترغيت وتحدّت إدارة ريتشارد نيكسون.
تذكرت الجريدة وضرورة وجود مصدرَيْن للخبر وأنا أتابع ما يُنشَر عن مصر والمملكة العربية السعودية والبحرين في الميديا العالمية ومواقع جماعات حقوق الإنسان.
الحصيفة الرصيفة «نيويورك تايمز» نشرت رسالة للنشِط البحريني نبيل رجب وعاملتها كأنها وحيٌ منزل، فهي قبلتها بكاملها، ولم تحاول أن تسأل أي مصدر غير صاحب الرسالة عن التفاصيل فيها، بما في ذلك مزاعم السجن والتعذيب وحتى الموت «لجرأتهم في طلب الديموقراطية».
هذا ليس صحيحاً فجماعة الوفاق، ولها آية الله ومرشد يتبعان قم لا أي ديموقراطية، تريد إقامة نظام ولاية الفقيه في بلد من دون موارد طبيعية تُذكر.
جماعة مراقبة حقوق الإنسان أخذت الموقف نفسه قبل «نيويورك تايمز» وطلبت من البحرين «التوقف فوراً» عن ملاحقة رجب. هذه منظمة أحترم عملها، إلا أنها ليست دولة أو مجلس الأمن، ومع ذلك فهي من الوقاحة بأن تأمر البحرين، ثم تستعدي دول العالم عليها. والجماعة نفسها في نشرة أخرى تزعم أن «حكومة البحرين تستهدف رجال دين شيعة». هل هي تستهدفهم أو أنهم يريدون أن يبيعوا استقلال بلدهم (بعض متجنس وليس بحرينياً أصيلاً) لآيات الله في قم؟
من نوع ما سبق نشرت «واشنطن بوست» أن مصر بَنَت «دزينة» أو «درزن»، يعني 12 سجناً منذ 2013. الجريدة تنقل عن وكالة «اسوشيتد برس» وأزعم أنني أعرف مصر أكثر من الوكالة والجريدة مجتمعتَيْن، وأن هذا العدد من السجون لم يُبنَ فأنا لم أسمع بالرقم من قبل، ثم الخبر كله منقول عن الشبكة العربية لحقوق الإنسان التي لا أصدقها. ومن نوع ما سبق خبر لمنظمة العفو الدولية عن سجن صبي في الخامسة عشرة وربما محاكمته، وكل الكلام منقول عن الصبي، ولا مصدر آخر يؤكده.
هناك أخبار من نوع ما سبق أو أسوأ عن مصر والمملكة العربية السعودية مصدرها جماعات خيانية تعمل لجهات خارجية. هل يصدق القارئ أن تُتّهَم السعودية بأنها قتلت الحجّاج في التزاحم خلال الحج السنة الماضية؟ هذا دخول في الاستحالة، ومثله طلب نزع السيطرة السعودية عن الحرم المكي الشريف والحرم النبوي. أيضاً تتكرر أخبار عن أن السعودية مفلسة. بلد يحتوي على ربع نفط العالم المكتَشَف، والأرجح أنه يضم ثلث نفط العالم، ثم يواجه الإفلاس؟ قلت في السابق وأقول اليوم ليتني أفلس على طريقة الحكومة السعودية.
أريد مصدرَيْن لكل خبر، كل منهما مستقل عن الآخر، فالخلاف بين المسلمين لا يفيد سوى إسرائيل، أو شركات بيع السلاح في الشرق والغرب، وأرجو أن أرى يوماً تتحسن فيه العلاقات بين الدول المسلمة كلها حول العالم لأن علاقات المسلمين يجب أن تكون لخير الأمة. أرجو هذا من دون أن أتوقعه غداً أو بعد غد.