حماس والرجوب :«لا تقربوا الصلاة» وعليهم عليهم… والإعلام حين يتأقلم مع ثقافة الكابوي
حين قَبَضَتْ عَلَيَّ الشرطة البريطانية متلبسة باللغة في واقعة « الدلو « أو « الطشت « ، لم يكن قلمي هو من ارتكب الجريمة ، فالحق كل الحق على السياب، وقد كبدني جنحة الخربشة على حيطان لندن – التي كنت أجوبها بعد منتصف الليل وأنا أردد وراءه ويردد وراءنا الإرهابيون في هذا الكوكب : (الشمس أجمل في بلادي من سواها / والظلام / حتى الظلام هناك أجمل… ).. بصراحة، كانت هذه ألذ جرائمي التي أكتشف بها الوجه الآخر للغيب، فلم أكن أعلم أن كاميرات المراقبة المنتشرة في هذه البلاد حيلة أمنية يتبعها البوليس البريطاني لحراسة المكان من اللصوص والسكارى والمجانين والمجرمين – قبل تفشي الدعوشة.
هنا في هذا البعد النائي بين أزقة بيكاديللي المشبوهة وزواريب ريجنت ستريت الباذخة وحارة السباب والشتيمة في الهايد بارك خدعتني حريتي وأنا أمارس اللغة بأريحيةِ مَنْ أتى الشمال مخربشا لا مُدعشا، حين فاجأني رجلا شرطة يحمل أحدهما «سطلا « مليئا بالماء والصابون تطفو فوق زبده اسفنجة قذرة :
عليك أن تمحي خربشاتك !
قلت : من أين أتيتما؟
قال: من الكاميرا… ثم مد يده بِعُدّة العقاب وهو يتلو علي نصائح عن الحفاظ على جمال المكان وأناقة الجدران ! فلماذا أعتذر للسياب ولم يكن أسامة بن لادن بعد قد ظهر على الشاشة، وإلا كنتُ سأدخل حينها الاسكتلند يارد بتهمة الإرهاب الخرابيشي؟
علي بابا الأشقر وطرزان الداعشي
برنامج «حياتنا « الذي تقدمه نعمات المطري على إذاعة مونت كارلو تناول موضوع الاغتراب بين الاندماج والذوبان والعزلة، مثيرا سؤالا وجوديا : لماذا نغترب؟
عداك عما يشهده عالمنا العربي من صراعات أهلية وشح اقتصادي وتعطيل للطاقات وإحباط للشباب وبطالة وقمع اجتماعي للحريات والأفكار باسم العادات والتقاليد ورضوخ للفكر الرجعي المحكوم بثقافة العيب والحرام، فإن الحقيقة الوحيدة لاغترابنا هي أننا نغترب لنعود، لذا لا تصدق من يضحكون عليك حين يقولون لك إن الرحلة أجمل من العودة، لأنك لو صدقتهم ستقضي عمرك مشرشحا بين الحدود، فبلادك ليست إيثاكا وأنت لست (أوديسيوس)، إنك لاجئ غلبان يبحث عن لقمة عيش وسترة وزوجة شقراء تقف على باب الجنة وبيدها كتيب صغير بمقدوره أن يفتح لك الآفاق ومغارات الكنوز دون أن تتذكر كلمة السر التي نسيها جدك: «علي بابا «.
وردت اتصالات إلى البرنامج عبرت عن ضرورة الاندماج في المجتمع الغريب والانتماء إليه درءا لخطر العزلة أو الضياع بين غربتين: الغربة النفسية في الوطن والغربة الثقافية والاجتماعية في المنافي، وتطرقت إلى اختلاف الظرف السياسي الذي يشكل عبئا حقيقيا على المهاجرين يضيف إلى الالتباس الحضاري بين الشرق والغرب سوء فهم عقائدي يجعلك في نظر هؤلاء طرزانا داعشيا « بشورت إسلامي « انتشلوه من الغابة ليعيدوا تربيته وتأديبه على طريقة شعوب البكيني ويقلموا أظافره أو مخالبه بالأحرى، ويفلوا شعره المنكوش من القمل وينتشوا ريشه أو فراءه الوحشي ثم يغسلوه و ينظفوا أنيابه «أسنانه « ويلقوه في اليم لتتلقفه أسماك القرش وخفر السواحل… وقناصو البوركيني !
ما المطلوب إذن من العربي الذي حل عليه الغرب مستعمرا بينما يرفض الترحيب به لاجئا أو حتى إرهابيا شُبِّه لهم؟
الإعلام الذي يقوم من سباته، كمن تخبطه الشيطان من مس، لم يستطع أن يغير من نظرة الغرب إلى «علي بابا « واكتفى بالترويج للبرنيطة والجينز والصبغة والعدسات اللاصقة، حتى يبرهن لدوائر الهجرة أنه يتأقلم مع ثقافة الكاوبوي وبمقدوره أن يخرج من بلاده طرزانا ليدخل الشمال أشقرانيا ! «ويا حيف « على مصطفى سعيد « في مواسم الطيب صالح لم يتبق من فحولته سوى عضة حب محرمة بين طرزان بنسخته الداعشية وعلي بابا الأمّور بعد تحوله الجنسي، وتفرج عالحلاوة !
بين «حانة» و «مانة»!
من عادات الشعوب منذ العصور الحجرية إقامة الأفراح والليالي الملاح قبل مراسيم الذبح، وهي عادة إعلامية مستحدثة في هذا العصر الفضائي الذي يغترب فيه الإنسان زمنيا وليس مكانيا، ولهذا سيأتي يوم على أهل الكوكب يهاجرون فيه جماعيا إلى المريخ، ولكن بعد أن ( يَزُتّ )الغرب فئران التجارب العربية « اللاجئين « إليه كما اقترح « ترامبو « المتكرش !
حسنا إذن الدور على مين؟ من هي « العنزة التي سنرى ضحكتها على باب المسلخ «؟ في البدء كانت خيمة الرجل الأخضر : ليبيا، التي حولها القذافيون الصغار إلى عباءة ناتوية، ثم مصر التي هيج فيها الفرعون « سيسو « إناث الخيل في معاركه الإعلامية لتثبيط عزيمة خيول أعدائه المذكرة، ولكن خطتة انقلبت عليه لما فطن له أعداؤه… ولك أن تتخيل ماذا فعلوا ! ثم سوريا التي أيقظت النعرات الطائفية التي التهمت المنطقة بأسرها لتحط شراراتها في فلسطين مع تصريح الرجوب الأخير وسخريته من « جماعة الميري كريسماس الذين يناصرون الإخوان المسلمين «، في إعادة صياغة طائفية للفرقة الفصائلية بين فتح وحماس ، التي تمرجح فلسطين بين الضرتين : «حانة» و «مانة» لكي تضيع في حربهما « لحانا « !
لا تقربوا الصلاة
إنس ما قاله جبريل الرجوب في لقائه مع برنامج « السادة المحترمون « على «الأون تي في» المصرية عن «جماعة ميري كريسماس التي صوتت للإخوان»، وخذ ما هو أبلى من التصريح على شاشة «نيوز»: تسخيف ردود الفعل على العبارة السخيفة !
قناة «القدس» الفلسطينية في برنامج «نقطة ارتكاز» تحدثت مع جبريل الرجوب على الهواء لتعطيه الفرصة بالتوضيح أو الاعتذار عن عبارته التي فجرها فأثارت حفيظة المسيحيين والإخوان معا، والذين اعتبر الرجوب أنهم لا يمثلون كل الشعب الفلسطيني، رافضا الاعتذار إلا حين يكون هناك إجماع من المسيحيين، الذين استثنى منهم المطران عطا الله حنا، قائلا : « الميري كريسماس عبارة تكريمية أقولها للتعبير عن المسيحيين مثل عبارة كل عام وإنتو بخير التي أقولها للتعبير عن المسلمين تجنبا للتصنيف الديني « فأي تناقض وقع فيه الرجوب وهو يزيد الطين بلة حين أصر على خطئه وحين برره بخطأ أفظع منه..
هذه، وكما علق المطران، ثقافة غريبة عن ثقافتنا الوطنية وحين يتم زجها في حوار سياسي عن شروخ الوحدة الوطنية ونقد الفكر الإسلامي والدولة الحزبية ورهانات الشقاق الصهيونية فإن هذا يعني أن الموضوع ليس تكريميا!
قناة «عودة « الفلسطينية أجرت حوارا مع بكر أو أبو بكر الباحث في الشؤون الإسلامية لتحليل بيان حماس الذي تدين به تصريحات الرجوب، وهنا وقعت الطامة، (و قُدّي ثوبك يا بلد )، لأن حرب « لا تقربوا الصلاة « ابتدأت الآن في فلسطين فكل طرف يقص شظية ويلقي بها في واد لرمي الجمرات بينما يصرخ الرجوب: أنا لست أبا بكر البغدادي» على قناة «القدس»، ترد حماس على قناة الأقصى: عليهم عليهم، وخُذْلَكْ فَعْفَلة يا ابن زوجة أبي ، حينها لا تبحث عن غريب لتصطف مع ابن عمك ضده، فابن دمك هو الغريب الوحيد في هذه الميمعة !
بكر أبو بكر أنصف بيان حماس وهو يسخر من اصطفافها إلى جانب المسيحيين ضد الرجوب، مدعيا مديحها، في الوقت ذاته الذي انحاز للفصائلية وهو يفتح صفحات العار على مصراعيها وينكأ الجراح التي كانت تتثاءب استعدادا لقيلولة كاذبة، وعداك عن خطر استحداث مسميات طائفية في الإعلام وتصديرها للشارع لإذكاء الفتن الدينية فإن المصيبة أعظم حين لا يعلم من أخطأ أنه لم يُصِبْ، عد إلى تاريخ الإعلام الصهيوني لترى الوعي المُحكم الذي يُوجه اللاوعي والذهنية التلقائية تجنبا لأي تهور أو طيش إعلامي غير محسوب في الغرف السوداء للصحافة منذ الاتفاقية المبرمة بين محرري الصحف المحلية وممثلي الجيش بتاريخ 20 آيار/مايو 1949، والتي تلزم الصحف بعدم نشر معلومات أمنية تكشف ظهر العصابة أمام أعدائها، أو ثغرات عسكرية وسياسية تضر بوحدة الكيان وتؤدي إلى تفسخه داخليا. ولم تزل هذه العقيدة متبعة حتى اللحظة، فأين نحن من هؤلاء؟ لماذا نعود إلى الفكر الطوطمي بشقلبة عكسية نبدل بها جبهات المعركة دون أن ندرك أن العدو على الطرف الآخر وأن الذي أمامنا ليس من اشتبهنا به إنما من شبه إلينا !