العنف... بين الشاشة الصغيرة والعوالم الافتراضية
اخبار البلد-
أسلوب الأفلام العنيفة التي صورها «داعش» وبدأ بتسريبها منذ أشهر وتظهر أعضاء من التنظيم في عرباتهم المسلحة أثناء مهاجمتهم سيارات مدنية كانت تسير بسرعات عالية في العراق وسورية، يقترب من ألعاب الفيديو الإلكترونية القتالية، التي تتقصد مُماهاة الواقع ومنح اللاعب شعوراً وهمياً بأنه في موقع ما داخل السيارات المتحركة. يَعرف «داعش» كيف يلاعب غرائز الجمهور الذي يتوجه إليه، ويندرج انتقاله الى هذا النوع من الأفلام المصورة، ضمن سياسات إعلامية للتنظيم يتم التخطيط لها جيداً، وتتنوع من مشهديات مُرعبة كما في أفلام الإعدامات التي اشتهر بها، الى تلك التي تتقصد التأثير في عاطفة الجمهور، وترويج المجتمع الداعشي وإظهاره كيوتوبيا سامية.
وإذا كان «داعش» يستحوذ على معظم الاهتمام الإعلامي اليوم، ويوضَع ما يقوم به تحت مجهر التحليلات، فإن أسئلة العنف وانتقاله من الشاشة على أنواعها الى الواقع، والرحلات العكسية لهذا العنف الى الشاشات، هي من الأسئلة الملحة التي خصصت لها مئات البحوث الأكاديمية ومنذ بدايات التلفزيون والسينما والألعاب الإلكترونية، من دون أن يتوصل الباحثون والاختصاصيون الى أجوبة حاسمة عن تأثيرات العنف على الشاشات على سلوك متلقيه من الجمهور، إذ تكاد خلاصات كل بحث جديد تخالف السابق له، مبينة صعوبة إيجاد الآليات والمنهاج لقياس درجات التأثير.
وتركز غالبية البحوث على علاقة العنف في الحياة الواقعية مع المواد الترفيهية على الإعلام التقليدي (التلفزيون، السينما، الألعاب الإلكترونية، وفي السنوات الأخيرة الإنترنت)، في حين يبقى القسم السريّ في الإنترنت والذي ما زلنا نجهل الكثير عن خفاياه، بعيداً عن البحوث لصعوبة حصر أبعاده أو هويات مستخدميه. هذا الإنترنت السريّ والذي يقترب بحجمه من شبكة مصغرة للإنترنت المعروف الذي نستخدمه، ويتألف من مواقع الكترونية سريّة وشبكات اتصال خاصة، هو ما يقلق اختصاصيين وأجهزة أمنية على حد سواء، وعبر هذه الشبكات يصل «داعش» وأمثاله من المنظمات المتطرفة الى جمهور واسع حول العالم، وهناك تجرى وبعيداً من رقابة الأجهزة الأمنية عمليات تجنيد الأتباع الجدد ونشر الأفكار والمواد الإعلامية الشديدة التطرف والخطورة.
وتؤكد شهادات جهاديين أوروبيين عادوا الى دولهم بعدما حاربوا الى جانب «داعش» في العراق وسورية، أنهم وقبل انخراطهم في صفوف التنظيم كانوا قد قطعوا اتصالهم بمحيطهم الأوروبي، ولم يعودوا يشاهدون البرامج التلفزيونية التي تقدم في بلدانهم، لأنهم اعتبروها جزءاً من حملة دولية لمحاربة الإسلام، وبأنهم اتجهوا الى مواقع الكترونية سريّة وصلوا اليها أو حصلوا عليها من آخرين، وعبرها بدأوا يشكلون نظرتهم الى ما يحدث في الشرق الأوسط. وعلى رغم جهود الحكومات الأوروبية لإغلاق المواقع المتطرفة، إلا أن هذه الأخيرة تتناسل وتتسع، ويزداد الطلب على المواد العنيفة التي تعرضها والخطاب المتطرف الذي تقدمه.
في المقابل، تواجه القنوات التلفزيونية الغربية وأجهزة الإعلام القديم أسئلة ملحة يومية عن مثلها الأخلاقية والقوانين الإعلامية التي تُسيّرها في عصر التشظّي والتعدد الإعلامي الذي نعيشه، كما تخاطر القنوات التلفزيونية بخاصة الأقسام الإخبارية منها بفقدان مزيد من الجمهور واتجاهه الى الإنترنت إذا واصلت تمسكها بقانون الخصوصية الذي يمنع مثلاً إظهار صور ضحايا العمليات الإرهابية أو المتهمين بالإرهاب، في الوقت الذي تنتشر هذه الصور والأفلام على شبكة الإنترنت وبعد دقائق من الأحداث المعنية. كل هذا يزيد من المسافة بين الإعلام التقليدي والجديد، ويصبح الأول المصدر الذي يتم الاعتماد عليه للحصول على المعلومات الدقيقة، فيما يتحول الثاني الى الملجأ للتعبير عن المخاوف ومواجهة الحقائق على حالها من دون تدخل مديرين وقنوات تلفزيونية.
ومن اللافت في السنوات الأخيرة، تضاؤل عدد الدعاوى التي تصدر عن جمعيات عربية أو إسلامية في الغرب، احتجاجاً على التصوير النمطي والعدائي للمسلمين في أعمال سينمائية وتلفزيونية. هذا ربما يعود الى أسباب عدة، منها: أن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت الى جدران للتنفيس عن الغضب وحلت محل الشكاوى الرسمية، والسبب الآخر يعود الى الفوضى التي تضرب العالم في الوقت الحاضر، وغرقنا يومياً في مئات الصور التي تتنافس بالوحشية والقسوة، والتي تصور أفعالاً يقترف بعضها باسم الدين. كما أن الاحتجاج على التنميط الممنهج بدأ يأخذ أشكالاً متعددة، كما حدث العام الماضي عندما قام فنانون تشكيليون عرب بكتابة عبارات ساخرة وشاتمة بالعربية على جدران مواقع تصوير المسلسل الأميركي «هوملاند» في العاصمة الألمانية برلين، احتجاجاً على الخطاب الإشكاليّ للمسلسل في تناوله قضايا الشرق الأوسط والعرب والمسلمين حول العالم.