الانتخابات كمؤشر على الحياة السياسية والاجتماعية

يفترض أن الانتخابات هي قضية المجتمعات وليس الحكومة؛ بمعنى أنها فرصة المواطنين، بما تمثلهم المدن والأحزاب ومجموعات المصالح الاجتماعية والاقتصادية، للتأثير في السياسة العامة ومراجعتها، وإعادة توجيهها باتجاهات محددة مسبقا وتعيها المجتمعات بوضوح. ويختزل ذلك كله المرشحون، بما هم (يفترض) يعكسون هذه التفاعلات والاتجاهات والتكوينات السياسية والاجتماعية. وهم أيضا المعنيون مباشرة بالإقبال على التصويت وتنظيم وتسهيل ذهاب المواطنين إلى صناديق الاقتراع، والتأكد من عمليات التسجيل وأماكن الاقتراع. فالانتخابات، ببساطة، مصلحة مجتمعية وليست مصلحة سلطوية. أما الحكومة (المؤسسة والطبقة)، فلا مصلحة لها مباشرة في الانتخابات؛ إذ يفترض أن هذه الأخيرة هي في الحقيقة تصويت على الحكومة، ومدى نجاحها وفرص بقائها.
هكذا، فإن الانتخابات النيابية في بلادنا، وببساطة، هي عمليات مستقلة ومنفصلة بنسبة كبيرة عن تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية. وبذلك، فإن أسوأ ما تؤشر إليه هو ضعف المدن والمجتمعات، وعجزها عن الاستقلال والمشاركة المستقلة وتنظيم وتشكيل نفسها، كما المدن والمجتمعات في التاريخ والجغرافيا؛ وفي عبارة مؤلمة: غياب المدن والمجتمعات.
ويفترض أن لدينا (وربما يكون ولا أعرف) مؤشرات إحصائية مفصلة تبين عمليات الانتخابات ونتائجها، ومتغيرات تقليدية وغير تقليدية؛ مثل مكان الإقامة، مستوى التعليم، المستوى الاقتصادي، الفئات والطبقات والمكونات الاجتماعية... لكن يمكن الملاحظة، استنادا إلى الانتخابات السابقة والحراك السياسي والاجتماعي، أن الناخبين، وكما يغلب على الحركات والاتجاهات السياسية والاجتماعية، لا يفضلون ملاحظة العلاقة بين الانتخابات وبين السياسات والاتجاهات العامة. والأكثر غرابة من ذلك، العجز عن الربط بين القيم والسياسات العامة المنشئة والمنظمة للدول والمجتمعات والسلطات والأسواق -مثل الحريات والعدل والثقة والازدهار وأسلوب الحياة- وبين الاتجاهات السياسية والاجتماعية نفسها والجدل السياسي والوطني بعامة.
نجحت وتنجح، على سبيل المثال، التحركات الانتخابية والسياسية والاجتماعية باتجاه مطالب واضحة ومباشرة ومحددة؛ الراتب الثالث والرابع عشر، رفع الأجور، التشغيل، تشكيل نقابة، مطالب نقابية أو خدماتية محددة، تمثيل فئة اجتماعية محددة في البرلمان والحكومة أو زيادة حصتها أو الحفاظ على مكاسبها. لكن التشكلات والاتجاهات الاجتماعية والسياسية القائمة، لا تلاحظ أو لا تهمها العلاقة بين الازدهار وتحسين الحياة وبين الحريات أو العدل أو الضرائب واتجاهات الموازنة والانفاق. بل ولم تشكل القضايا والخدمات الأساسية التي تهم المواطنين، مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ومستوى الدخل وحماية المستهلك، دورا أساسيا في محتوى الاتجاهات والتجمعات والأفكار السياسية والانتخابية. والأكثر غرابة هو الوعي المضاد أو الزائف؛ إذ تمعن نخب واتجاهات وجماعات في تشكيل بطولات وهمية مستمدة من إهمال هذه القضايا والتقليل من شأنها، وتحاول أن تسوق الناخبين والمجتمعات والناس إلى المستحيلات والميتافيزيقيا، وما يعرف جميع الأطراف ويتواطؤون على القبول والإقرار بأنه خارج نطاق ومجال البرلمانات والحكومات. أما الحديث عن العلاقة بين حماية البيئة وحقوق الإنسان وتطوير الغابات والبوادي ومواجهة التصحر وبين الانتخابات والازدهار والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، فهي مسألة مثيرة للسخرية! ولا يغامر أحد بالهمس بها.