رصد.. ومطاوعة
على أن هذا الرصد, على توافر أدواته مقتصر على الحكومات والاحزاب وبعض ظواهر الثقافة والاجتماع, وهو ذو طابع وصفي خارجي تفلت منه جذور الاشياء وأعماقها فضلاً عن كونه غير معني - على الرغم من تذرّع الساسة الغربيين بحقوق الانسان - بالجوانب الانسانية والقيميّة والاخلاقية من المجتمعات العربية الاسلامية - وكذلك هو الامر في سائر المجتمعات البشرية - قدر عنايته بالنفط وعائداته التي تصب في بنوك اوروبا واميركا, وقدر عنايته بتمكين اسرائيل في مشرقنا العربي الاسلامي, وضمان اضطراب الواقع السياسي العربي, واستلاب وعي النخب المصنوعة على أعين الغرب, وذهول الاجيال الجديدة ومضاهأتها لأسوأ افرازات الحضارة الغربية المعاصرة.
إن العالم العربي الاسلامي أرض محروقة انسانياً في انظار المستعمرين الجدد, ولكنه الارض الذي تدر عليهم كنوزها ومقدّراتها, فهم في تعاملهم الذرائعي (البراجماتي) معه لا يستوقفهم عدد الضحايا ولا فظاعة المذابح الجماعية ولا تدمير المدائن ولا تشرّد الملايين. بل يهمهم ضمان سيطرتهم على النفط وثروات الشعوب وضمان بقاء اسرائيل. وكل رصد لظواهر السياسة بعد ذلك, سواءً أتعلق بالحكّام أم بالحكومات أم بالاحزاب فهو لاستباق أيّة مفاجآت يمكن أن تؤثر من قريب أو بعيد على ثوابت هذه السيطرة. قول فصل لا أحسب أن أحداً يماري فيه.
على أن قصارى ما يستطيعه «الراصدون» من دبلوماسيين غربيين وتلامذة مستشرقين و»مخبرين» محليين من عرب ومسلمين هو وصف سطوح الاشياء لا الغوص الى بواطنها, وهو التناول القريب–وغالباً ما يكون لهوجة طائرة–الذي لا يتلبّث عند الحقائق, بل يزاور عنها ويتنكّبها في مباشرته لغاياته التي اشرنا آنفاً اليها وهي ضمان تدفق النفط واحتباس أثمانه في البنوك الغربية/ الصهيونية, وضمان السيطرة على البلاد والعباد, وضمان بقاء اسرائيل قوية في عالم عربي اسلامي ممزّق ضعيف بالغ الاضطراب.
إنهم يعرفون جيداً ما يريدون
ونحن «نمتثل» جيداً لما يريدون..