معالجة البيت الفتحاوي أولاً

ليست الاماني أو الاهداف النبيلة قابلة للتحقق بسهولة ، أو أن الطرق أمامها مفروشة بالتسهيلات ، أو أن أصحاب المصلحة في تحقيق الاماني وفي إنجاز الاهداف ، لا يجدون المعيقات، ولا يواجهون العراقيل ، ولا يصطدمون بمصالح أُناس وأصحاب نفوذ لا يقبلون بالتطلعات المرسومة أو الاهداف المقصودة .
وحدة فتح مصلحة حزبية وتنظيمية وسياسية ووطنية ، لتنظيم فتح أولاً ، ولقواعدها ولمؤيدها ، مثلما هي مصلحة لعموم الفلسطينيين الذين ربطوا مصيرهم ومستقبلهم بالمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني الذي قادته حركة فتح لعشرات السنين وتوقف إنجازه بسبب تراجع حركة فتح وإضعافها، وإنعكاس ذلك وحصيلته تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها وبأغلبيتها ، وهذا ما يعانيه اليسار الفلسطيني ، وهذا ما تعانيه فصائل التيار القومي الفلسطينية ، والشخصيات المستقلة ، ولذلك تصبح حصيلة المعادلة أن ضعف فتح هو إضعاف لمجمل الحالة الفلسطينية ، ووحدة فتح ونهوضها ، يشكل رافعة لمجمل الحركة الوطنية الديمقراطية الفلسطينية وتعدديتها ، وحركة فتح ضعفت أمام العدو الإسرائيلي ففشلت في إستكمال خطوات الحرية من الحكم الذاتي المحدود الذي أتى به إتفاق أوسلو التدريجي المتعدد المراحل عام 1993 وصولاً نحو الاستقلال الناجز الذي بات موضع تساؤل في التحقق أو عدمه ، مثلما ضعفت أمام خصمها السياسي والعقائدي حركة حماس التي تفوقت عليها في إنتخابات المجالس البلدية عام 2005 ، وفي الانتخابات التشريعية عام 2006 ، وفي الانقلاب عام 2007 ، مثلما أخفقت تماماً في إستعادة قطاع غزة إلى حضن الشرعية الموحدة طوال العشر سنوات الماضية .
وهي معادلة تنطبق أيضاً على سياسات ومصالح المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي غذى الانقسام وساعد عليه ومنحه فرص البقاء والعيش وما الحروب الثلاثة التي شنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة خلال سنوات 2008 و 2011 و 2014 بهدف إضعاف حركة حماس وليس إقصاءها أو إنهاء دورها ، سوى حصيلة هذه السياسة وتنفيذها فهو يجد في الانقلاب والحسم العسكري عام 2007 والانقسام الذي تلاه ومازال متواصلاً سوى سلاح مجاني قدمته حركة حماس لعدوها الإسرائيلي مقابل تطلعاتها الحزبية الضيقة وبرنامجها الاخواني الذي لا يتفق والمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني منذ ولادتها عام 1987 كنقيض للشرعية الفلسطينية ، وضد سياسات منظمة التحرير ، وتعويضاً لدورها التمثيلي الجماعي بإعتبار منظمة التحرير الجبهة الوطنية المتحدة لمجموع القوى والاتجاهات المناضلة المعادية للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي .
خارطة الطريق الاردنية المصرية المدعومة سعودياً وإماراتياً تقوم على ثلاث محطات متتالية ، يقف في طليعتها وحدة حركة فتح وتماسكها وعودة المفصولين لصفوفها والنائب محمد دحلان لمؤسساتها ، وقد بدأت خطوات هذه المحطة الاولى بالمشاركة الفعلية الفتحاوية بقوائم موحدة لخوض إنتخابات المجالس المحلية البلدية والقروية المرجح إجراؤها يوم 8/10/2016 ، ولم يكن ذلك صدفة أو رغبة في دخول الجنة ، بل تم ذلك بقرار سياسي مسبق وتوجه ذكي مسؤول من قبل فريق النائب محمد دحلان لجعل الارضية صافية وممهدة لتنفيذ قرار عودة المفصولين الصادر عن اللجنة المركزية لحركة فتح التي يسعى بعض أعضائها لوضع العراقيل والشروط التعجيزية لتحول دون تسهيل الطريق لعودتهم بكرامة كما يستحقون طالما هم مازالوا في الموقع الوطني ، ولم يخرجوا عن سياسات الحركة وبرنامجها وتطلعات أهدافها .
وحدة حركة فتح ضرورة قبل الاقدام على إعادة الوحدة والتفاهم والشراكة بين الضفة والقطاع ، وبين مجمل فصائل منظمة التحرير من طرف وحركة حماس من طرف أخر ، وعلينا أن ندقق ونتوقف أمام حجم الاتفاقات الموقعة والتفاهمات التي تم التوصل إليها في القاهرة والدوحة وغزة ومع ذلك لم تنجز خطوة مهمة لإنهاء الانقلاب وإستعادة الشرعية وتحقيق الوحدة الفلسطينية ، بسبب العقلية الحزبية الاحادية التي تتحكم بطرفي الصراع والخلاف والانقسام ، وبسبب العوامل الاقليمية الضاغطة لمنع إنهاء الانقلاب وتداعياته ، ومن هنا علينا أن نحكم على خطوات المحطة الاولى وهي وحدة حركة فتح حيث أن مصالح بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح تتصادم مع عودة النائب محمد دحلان ورفاقه لصفوف الحركة وقد تكون مصالح هؤلاء الضيقة مشروعة من وجهة نظرهم ، فكيف يبلعون عودة شخصية قيادية قد ينافسهم على مكانة أو على موقع أو على قرار ، ولذلك يتحجج هؤلاء بالتمسك بإشتراطات هدفها المكشوف والحقيقي هو إعاقة خطوات توحيد حركة فتح ولملمة صفوفها وإستعادة مكانتها في قلب وفي قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية ذات الطابع التعددي والمضمون الديمقراطي ، غير مدركين هؤلاء أن مكانتهم في اللجنة المركزية لحركة سياسية قوية أفضل من مكانتهم في حركة تعاني ما تعانيه من ضعف أمام العدو وضعف أكبر أمام حركة حماس بإعتبارها الخصم السياسي اللدود .
في كل محطة ، وفي كل موقع ، وعند كل قرار سياسي ، تتفق مصالح ورؤى ، وتتصادم مصالح ورؤى داخل التنظيم الواحد ، وحركة فتح ليست إستثناء عن تاريخ ومسارات الاحزاب سواء كانت يسارية أو قومية أو دينية أو وسطية ليبرالية ، وهذا ما يجب علينا تفسيره حينما نسمع أو نقرأ على لسان أحد بعض أعضاء اللجنة المركزية ما يدلل على عدم ترحيبهم أو تحفظهم على خطوات المحطة الاولى لمعالجة البيت الفلسطيني ، وفي مقدمته معالجة البيت الفتحاوي أولاً .