القانون الذي طالبت بإلغائه !

قبل اربعين عاماً بالتمام والكمال كتبت مقالا في جريدة (الشعب) 9 /5 /1976 طالبت فيه بالغاء قانون العشائر وقد جاء فيه ( في بلد قطع مراحل كبيرة في طريق التقدم والرقي اذ يصدّر كل عام آلاف الكفاءات والخبرات الى جيرانه وأشقائه ويقترب من إنشاء جامعته الثانية ، وتقوم فيه الجمعية العلمية الملكية شاهدة على محاولة الأردن الجديد دخول عصر التكنولوجيا، ويفاخر بمدينة الحسين الطبية ومدينة الحسين للشباب وبأبنائه الذين يديرون بدقة بالغة أجهزة تبث لنا التلفزيون الملون وتلتقط لنا آخر أحداث العالم حية مصورة عبر المحطة الأرضية للأقمار الصناعية وبطياريه وهم يقودون احدث واضخم الطائرات في العالم وبجنوده وهم يستعملون احدث أنواع الأسلحة وأكثرها تعقيدا ، في بلد يستعد لتطبيق قانون مدني جديد في مستوى العصر الذي نعيش فيه حيث لا فرق بين الحضري والبدوي ولا فرق بين ابن شيخ العشيرة وبين ابن العامل أو الفلاح ، يصعب على المراقب العاقل المحايد ان يصدق ان فيه قانونا خاصا بالعشائر داخل القانون العام للدولة وان المواطن يمكن ان يحاكم مرتين في كثير من المخالفات أو الجرائم ، وان عليه سلطانا آخر غير سلطان القضاء ، ولا يصدق ان ( الجاهة ) و ( العطوة ) و ( كفيل الدفا ) وغيرها من المصطلحات مازالت تستعمل باحترام وخشوع كأنها كلمات دينية مقدسة رغم أنها غير موجودة حتى في القواميس اللغوية ، ولا يصدق ان التطرق الى هذا الموضوع ظل محفوفا بالمخاطر ، شائكا الى درجة التهديد بأوخم العواقب عند لمسه والتعرض له بالبحث أو المناقشة ، الى ان صدر التصريح الجريء الذي أدلى به لجريدة (الشعب) وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء في الأسبوع الماضي ، وجاء فيه أن هذا القانون صدر عام 1932 في زمن كان المستعمر يفرض نفوذه على البلد ، وفي جو تسوده الفوضى والنهب والسلب .. ومن ناحيتي أضيف بأننا اليوم في عام 1976 وقد مضى على نسف آخر معقل من معاقل النفوذ الاستعماري في بلدنا عشرون عاما حين قام الحسين بطرد غلوب ونعيش في جو يسوده الأمن والاستقرار، فلماذا يبقى هذا القانون .. ؟) وقد اغتنمت يومذاك تلك الفرصة فكتبت ما كتبت رغم اني ككل المواطنين إبن عشيرة واحترم العادات والتقاليد الطيبة التي تعبر عن المودة والتآلف لا تلك التي تمثل ((شرائع)) مارسها الأقدمون عندما لم تكن هناك دولة ودستور وقانون مدني ومؤسسات قضائية، وقد ألغت الحكومة (حكومة السيد زيد الرفاعي حينها) ذلك القانون لكن الجزء المتعلق بالجلوة أفلت من هذا الالغاء وبقي استثناء منافياً للعدالة مسلطاً على رؤوس العباد يمارس البعض من خلاله ظلماً لا يقبله عقل ولا دين على أبرياء عديدين وباسلوب تأباه المجتمعات المدنية إذ يخلعهم من منازلهم ليرحلوا الى قرى او مدن أخرى لمجرد أنهم أقرباء للمتهم بالقتل حتى قبل ادانته وقد يكون هو نفسه بريئاً !


بالأمس اي بعد مرور اربعين عاماً اصابني كدر حين قرأت في (الرأي) أن مجلس الوزراء قد وافق على مشروع القانون المعدل لقانون منع الجرائم لسنه 2016 بخصوص العادات العشائرية كالجلوة والديّة في قضايا القتل والعرض وتقطيع الوجه (وهذا الاخير تعبير تعجز معاجم ومجامع اللغة العربية عن تحديد معناه !) وبدلاً من ان يقوم بالغائها أدخل في روعنا أنه قلص دائرة المشمولين بعقوبتها (القانونية ) فقصرها على الابناء والوالد فقط وكأن هؤلاء ضالعون ومشاركون في الجريمة ويستحقون الظلم !

وبعد .. أليس مؤسفاً أننا نردد كثيراً القول الكريم ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ثم نقبل الخضوع لقانون يعاقب الابرياء بجريرة القتلة ؟! ومتى .. في القرن الواحد والعشرين ؟!