المناهج المدرسية والآيات القرآنية

موضوع الاستشهاد بالآيات القرآنية في المناهج المدرسية اصبح موضوعا جدليا مطروحا على الساحة المحلية، و يأخذ مساحات واسعة بالحوار بين فريقين او اكثر في المجتمع الاردني، و ربما يعكس حالة من الحوار الفكري و السياسي على صعيد العالم العربي كله، والمسألة تحتاج الى التحلي بالعلمية و الموضوعية و التخلي عن المغالاة و التشنج في الطرح من كلا الفريقين المتحاورين .
 
المشكلة ليست بالاستشهاد بالآيات القرآنية و الاحاديث النبوية من حيث الأصل و المبدأ، لأن ذلك يعد من صميم وجودنا و هويتنا الثقافية و سجلنا الحضاري على مدار قرون طويلة من الزمن، و لكن المشكلة على وجه التحديد تتمثل بالاستشهاد الخاطئ، أو أن تكون في سياق متكلف لا يراعي الزمان و لا المكان ولا يحسن التوظيف، و ربما هناك وجه آخر للمشكلة يتجلى في التوظيف السياسي لرأي محدد أو اجتهاد معين، مما يقتضي التوافق على حسن الاستشهاد و حسن الاختيار الذي يؤدي الى تصويب الأداء وتحسين الانجاز، و مساعدة العقل العام على التفكير العلمي، ربما يؤدي الى شيوع الأخلاق الحسنة و الفضائل العالية التي لا يختلف عليها العقلاء .
 
و لذلك فان تحسس فئة من أبناء المجتمع تجاه مبدأ الاستشهاد بالايات القرآنية و الأحاديث النبوية على وجه الاجمال ليس في محله و فيه قدر كبير من التطرف المقابل الذي يؤدي الى اثارة الحساسية لدى الأطراف المقابلة، و يؤدي الى نشوء توتر و نزق بين مكونات المجتمع بطريقة تلحق الضرر بنا جميعا، اذ ليس معقولا ألاّ يجد هؤلاء حرجا بالاستتشهاد بأقوال الزعماء و الرؤساء و الفلاسفة و الحكماء، ومقولات العلماء من مختلف أشكال الطيف الفكري العالمي، و تقف الحساسية فقط عند أقوال الله عز وجل، و أقوال الرسول، فهذا ليس عدلا، و لذلك يمكننا التوافق من حيث المبدأ على ضرورة ترسيخ المنهج العلمي لدى أبنائنا، و تربيتهم على استخدام عقولهم بطريقة صحيحة بعيدا عن التلقين، و بعيدا عن الخضوع و الاستسلام لمقولات و اجتهادات السابقين بلا مناقشة و بلا حوار، و القرآن بما يدعو الى ذلك، مثل «تعالوا الى كلمة سواء»، و كذلك «و لا تقف ما ليس لك به علم، ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا»، «قل سيروا في الأرض ثم انظروا» . الى اخره ......
 
ما نود أن نقوله في هذا السياق أن كل عبارات الأنبياء السابقين محل تقدير، و قد أورد القرآن أقوال ادم و زكريا و نوح و ابراهيم وموسى وعيسى، و أورد أقوالا لبعض الحكماء مثل لقمان والرجل الصالح، و غيرهما، فيجب ألاّ نجعل من هذا الموضوع محلا لتفريق المجتمع، و مناسبة لتسديد الحسابات، و انتهاز الفرصة لمحاربة تيار سياسي بعينه، و على أصحاب الفكر الاسلامي كذلك ألاّ يجعلوا من القرآن و السنة النبوية الصحيحة محلا للخلاف المجتمعي بطريقة تخلو من روح الدعوة، و تخلو من خلق التسامح و الجدال بالتي هي أحسن، كما يأمر القرآن، مما يؤدي اسلوبهم الفظ و تعاملهم الغليظ الى كره الدين ومعاندة الاسلام و هم لا يشعرون .
 
ينبغي الابتعاد عن كل ما يثير الخلاف، و الذهاب الى ما يوحدنا و يجمعنا، و أن يتم التركيز على ما يصلح العقل و يصلح الضمير، و يصلح الاخلاق بأحسن السبل وايسرها وأسهلها، (وما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما)، و يقول الله عز وجل : «و لو كنت فظا غليظ القول لانفضوا من حولك»