هل تنجح سياسة قطع رؤوس «داعش» ؟

عقب إعلان «وكالة أعماق» التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية ــ داعش في30 آب 2016 عن مقتل أبو محمد العدناني المتحدث باسم التنظيم أكدت الولايات المتحدة أنها استهدفت سيارته بواسطة طائرة من دون طيار في محيط مدينة الباب ثم سارعت موسكو إلى القول إن طائراتها هي التي قتلت الرجل عبر غارة جوية وادعت مجموعة من الفصائل المسلحة في شمال حلب مسؤوليتها عن مقتل العدناني أمثال «قوات سوريا الديموقراطية» و» قوات «درع الفرت» وقد أثار الإعلان عن مقتل العدناني الجدل حول جدوى سياسة قطع الرؤوس التي تتبعها الولايات المتحدة في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية ــ داعش.


لا شك بأن استهداف قيادات داعش تساهم في إضعاف التنظيم لكن ذلك لا يمكن أن يقود إلى تقويض التنظيم والقضاء عليه بالكامل وقد تنجح سياسة قطع الرؤوس في تدمير منظمات وحركات في طور النشأة ومراحل والتكوين قبل استكمال عملية بناء هياكلها التنظيمية فقد برهن تنظيم الدولة الإسلامية ــ داعش على مدى سنوات على صلابة بنائه الهيكلي ومتانة تكوينه التنظيمي حيث عمل مبكرا على تطوير مؤسسات بيروقراطية صارمة وأجهزة سياسية عسكرية مترابطة فهو يعمل كمنظمة مركزية ذات إيديولوجية دينية شمولية تهدف إلى السيطرة والتوسع ويقدم نفسه هوياتيا كممثل لإسلام سني ممتهن يتعرض لخطر التمدد الشيعي في المنطقة كما يقدم نفسه مناضلا ضد الإمبريالية والدكتاتورية.

البناء الهيكلي لتنظيم داعش كمنظمة مركزية بدأ مع تأسيس الزرقاوي شبكة جهادية ممتدة عقب الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 وبعد توسع الشبكة عمل على بناء وتأسيس جماعة تتوافر على هيكلية محددة وسلطة مرجعية واضحة وأعلن عن تأسيس جماعة «التوحيد والجهاد» في ايلول عام 2003 ثم انضم إلى تنظيم القاعدة في تشرين الاول 2004 وبات يعرف «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، وعقب نجاح الولايات المتحدة بقتل الزرقاوي في حزيران 2006 كان التنظيم قد تحول لمنظمة متماسكة وقوية ونافذة وأعلن في تشرين الاول 2006 عن تأسيس «دولة العراق الإسلامية» وتولى أبو عمر البغدادي إمارة التنظيم وقد نجحت الولايات المتحدة بقتل أبو عمر البغدادي نيسان 2010 إلى جانب أبي حمزه المهاجر حيث بادر التنظيم إلى تعيين أبي بكر البغدادي أميرا للتنظيم وهو لايزال على رأس التنظيم.

منذ سيطرة التنظيم على الموصل في حزيران 2014، ثم إعلانه قيام دولة «الخلافة» على مساحات واسعة في العراق وسورية فقد التنظيم عدد من قياداته التاريخية البارزة سواء من خلال هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية أو عبر عمليات خاصة أو من خلال مواجهات مع قوات الحكومة العراقية والسورية أو فصائل المعارضة لكن التنظيم تمكن من إعادة بناء هياكله وإحلال قيادات جديدة وكانت بداية خسائر التنظيم لقياداته الكبيرة قد تمت بمفتل الشخصية الاستراتيجية الأبرز في التنظيم «حجي بكر» وهو سمير الخليفاوي وكان يعتبر العقل المدبر في التنظيم حيث شغل منصب أمير المجلس العسكري لداعش وكان أحد نواب البغدادي وقد قُتل على يد فصائل المعارضة السورية في كانون ثاني 2014.

ثاني أبرز شخصيات داعش التي قتلت هو أبو عبد الرحمن البيلاوي واسمه الحقيقي عدنان إسماعيل نجم البيلاوي وقد شغل منصب رئيس المجلس العسكري بعد مقتل حجي بكر وقد فجر نفسه بعد أن حاصرته القوات العراقية في الرابع من حزيران 2014 في مدينة الموصل، أما ثالث القيادات البارزة التي خسرها تنظيم داعش فكان أبو مسلم التركماني ويُعرف أيضاً بـ»حجي معتز» واسمه الحقيقي فاضل أحمد عبد الله الحيالي وقد شغل منصب القائد العسكري بعد مقتل البيلاوي، وأعلنت واشنطن عن مقتله في 18 اب 2015 في غارة جوية نفذتها قوات التحالف على سيارة كان يركبها قرب الموصل، ويعتبر أبو نبيل الأنباري رابع قيادي كبير خسره التنظيم واسمه الحقيقي وسام نجم عبد زيد الزبيدي وهو عراقي الجنسية وكان يقود فرع التنظيم في ليبيا حبث قتل في غارة أمريكية على سرت بليبيا في 13 نتشرين ثاني 2015.

خامس القيادات البارزة التي قتلت في تنظيم داعش كان أبو مهند السويداوي أو حجي داوود واسمه الحقيقي اسماعيل لطيف عبد الله السويداوي وكان أميرا على الأنبار وتولى منصب القائد العسكري وقد قتل بعد أن فجر نفسه بحزلم ناسف بعد محاصرته عقب اشتباك مع قوات الجيش والشرطة المحليّة في قرية الكرطان في 20 كانون ثاني 2014، أما سادس الشخصيات الهامة التي خسرها التنظيم فكان أبو جرناس واسمه الحقيقي رضوان الحمدوني حيث شغل منصب مسؤول الحدود ثم والي نينوى وقتل خلال قصف طيران التحالف على غرب الموصل في 19 تشرين الثاني 2014 ومثل الجورجي عمر الشيشاني واسمه الحقيقية طرخان باتيرشفيلي سابع الشخصيات القيادية الهامة وهو القائد العسكري لدى داعش وقد أعلنت الولايات المتحدة عن استهدافه في اذار 2016 لكن التنظيم أعلن عن مقتله خلال مواجهات في جنوب الموصل في تموز 2016.

ويمثل «أبو علي الأنباري» ثامن الشخصيات البارزة التي قتلت من تنظيم الدولة الإسلامية في اذار 2016 واسمه الحقيق عبدالرحمن مصطفى القادولي وله عدة ألقاب من أبرزها «أبو علاء العفري»، وبحسب التنظيم فقد قتل بتفجير حزامه الناسف بعد أن حاصرته قوات أمريكية خاصة في منطقة بين العراق وسورية ويعتبر الأنباري من أهم الشخصيات التي عملت على صعود التنظيم وتمدده وقد تولى مناصب عديدة كنائب البغدادي وتولى قيادة المجلس العسكري والأمني والشرعي.

خسر تنظيم الدولة الإسلامية ــ داعش بالإضافة إلى القادة الكبار مجموعة من الوجوه البارزة أمثال «أبو مالك التميمي» وهو أنس النشوان ويعتبر أحد أبرز قادته الشرعيين وقتل في ايار 2015، خلال المعارك مع قوات النظام السوري في منطقة السخنة التابعة لمحافظة حمص، وعثمان آل نازح وهو شرعي سعودي عيّنه تنظيم الدولة «مفتيا» وقد وأعلن عن مقتله مطلع 2015 بقصف على عين العرب ــ كوباني، وكذلك أبو سياف التونسي بعملية خاصة في دير الزور والجهادي جون محمد موازي وغيرهم، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي نتجت عن سياسة قطع الرؤوس إلا أن التنظيمات التي تتمتع بهيكليات صلبة كداعش لا يمكن القضاء عليها دون وجود استراتيجية متكاملة ترتكز على مواجهة الجوانب الإيديولوجية الفكرية والمسائل التمويلية والقدرات العسكرية الميدانية فضلا عن خلق بيئة سياسية طاردة للتطرف في إطار أنظمة تتوافر على الحد الأدنى من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.