احسنتم ايها الرجال الرجال

احسنتم ايها الرجال الرجال ..." ومن خلال هذا المنبر الحر والعلاقة بين التصور والواقع لا يمكن أن تتم إلا من خلال الممارسة. والأحكام تكون نتيجة التصورات التي قادت إليها، لكن مع الممارسة الفعلية فإن التصورات تعود لتتشكل بشكل آخر وتصور آخر. الواقع دائما ما يكون مختلفا إلى حد ما عن التصورات التي يحملها الأشخاص لموضوع ما. هذه العلاقة بين التصور والواقع هي أحد أهم إشكاليات الممارسة لفعل من الأفعال، وحينما تكون الممارسة أكثر فاعلية، فإن التصورات تتخلّق من خلال تلك الممارسة. قد تغلب التصورات أحيانا عن الواقع لكن مع مرور الوقت فإن التغير والتغيير هما سيدا الموقف، لأن الإشكاليات دائما ما تنتج من خلال الفعل نفسه، أما حينما لا يتم أي عمل تجاه ما يراد العمل عليه فإن التصورات سوف تبقى كما هي سواء كانت تصورات إيجابية أم سلبية. والوعي بالشيء هو نوع من الوعي بالممارسة وإشكالياتها. الممارسة هنا بحكم نوعية التصور المسبق تخلق أزمات عديدة ليس أقلها تغير المفاهيم التي كانت من قبل. والوعي هنا هو الوعي بهذا التغير. لا شيء يبقى كما هو. هذه هي القاعدة التي تتحرك بها الأشياء، بل إن المفاهيم نفسها تتحرك بنفس الإشكالية، المفهوم من خلال الممارسة يتحول مع الوقت ويصبح مفهوماً إما شمولياً أو مفهوماً محدداً بجهة ما أو رؤية ما. الوعي بهذا التغير هو الوعي الحقيقي وكلما مارسنا عملاً ما فإن وعينا يتشكل أكثر من ذي قبل وتصبح تصوراتنا أكثر دقة. الوعي بدأ يتشكل شيئاً فشيئاً في المجتمعات. هذا ناتج عن تغير في الرؤية تجاه ما هو محيط في الحياة. تغير الرؤية لم يكن يأتي إلا من خلال الكثير من العمل من خلال ممارسة الخطأ والصواب. والوعي دائما ما يجنح إلى تحقيق المزيد من المصلحة الذاتية للإنسان، أعني أن الإنسان مشدود إلى ما هو نافع لحياته دون اعتبارات المفاهيم الكبرى. المفاهيم الكبرى إذا لم تنزل إلى مستوى الممارسة فإنها تبقى أقرب إلى الرؤية الهلامية. المفاهيم كانت في فترة من الفترات وفق تصورات تشكلت من خلال عمل من الأعمال، ولأن الواقع دائم التغير فإنه من الطبيعي أن تتغير المفاهيم. هذا لن يكون ما لم يكن هناك نوع من الرؤية الواعية لتغير الواقع. قد تكون هناك الكثير من الممارسة غير الواعية داخل طيات الوعي نفسه لكن مع استمرارية المحاولة المتأرجحة بين الخطأ والصواب سوف يتحول ذلك اللاوعي إلى وعي عام. لم تصل المجتمعات المتقدمة إلى ما وصلت إليه إلا بعد أخطاء عديدة ارتكبت حتى بحق تلك المفاهيم الكبرى لكن الوعي كفيل بتصحيح المسارات.ايها الرجال الرجال صدمة الواقع دائما ما حركت الوعي وغيرت التصورات. الشباب الذين كان لهم موقف مخالف من الغرب مثلا وارتحلوا هناك للدراسة تحولت التصورات لديهم إلى إيجابية، فالتصورات السلبية السابقة مع صدمة الوقع تحولت إلى تصور آخر مخالف لما كان عليه بحيث أصبح الغرب ليس شرا كله كما كان يتصور. في المقابل من ينظر إلى الغرب بإيجابية مفرطة ربما مع الممارسة اليومية تتحول هذه الإيجابية إلى سلبية بحكم تصور جديد تشكل مع الاحتكاك بالواقع، فالغرب هنا ليس خيرا كله؛ فشرانية الغرب وخيريته هما الواقع، في حين كانت الخيرية المفرطة تجاه الغرب، أو الشرانية المفرطة أيضا، هما التصوران المسبقان وفي كلتا الحالتين يتشكل الوعي بشكل مختلف بحيث تصبح المفاهيم المحمولة أكثر تحديدا، وإطلاق الأحكام الجديدة بسلبيتها أو إيجابيتها هو بسبب التصورات الجديدة والوعي الجديد. ايها الرجال الرجال ..." م.جهاد محمد علي الزغول