المخفي اعظم ياحكومة

 

  والمخفي اعظم ياحكومة 

 

                                                                        زيـــــــــــــاد البطاينه

 

 

 

لفساد أنواعه  كثيرة , فهناك الفساد المالي الذي هو بدوره ينقسم إلى عدة أقسام , ليشمل أخذ المال العام والخاص , وكذلك الرشوة من المواطن ومن الدول على شكل عمولات لقاء صفقات , للدولة الأخرى , أو من تاجر إلى آخر , واستغلال العمل الوظيفي والاستفادة المادية من خلاله , وذلك بعرقلة معاملات المواطنين لقاء مبلغ من المال , على شكل «إتاوة» أحيانا ً لكي تمر المعاملة , حيث قد تكون صحيحة أو أن تكون غير صحيحة , فكلٌ بثمنه ؛ أو أن تكون على شكل سلب المواطن أمواله بحجة أنه مخالف , وقد يكون كذلك فهو حق أو لا يكون كذلك وتلك هي المصيبة الكبرى .

 

و المواطن لا يستطيع الشكوى فالراشي والمرتشي يحاسبه القانون , كما يحاسبه الله سبحانه وتعالى « الراشي والمرتشي كلاهما في النار » . كما إن الفساد قد يتناول مسائل غير المال , مثل الفساد السياسي , وفيه أن يتعامل العملاء مع العدو على حساب أوطانهم , أو أن يشكلوا مجموعات تهدف إلى تخريب الوطن لصالح الأجنبي , كما يكون الفساد السياسي شاملاً للتجمعات السياسية والتي يهدف قادتها إلى الاستفادة المادية فقط تحت شعارات عامة . هذا وأن الفساد يمكن أن يشمل الفساد الإداري , حيث يتحكم المدير أو المسؤول بموظفيه , فيميز بينهم ويستفيد من البعض منهم فوائد قد تكون مادية أو أخلاقية , أو التقرب إلى شخص ما . هذا وأن الفساد الإداري غالبا ما يكون على حساب عمل الدولة والإساءة إليها , مما ينعكس سلباً عليها وعلى عملها , وقد يمتد إلى حد الإهمال لمصالح الوطن والمواطن وعرقلة معاملاته أو تأخيرها .‏ولا اريد ان اطيل لاستعرض ابواب الفساد الذي اعلنت الحكومات المتعاقبة الحرب عليه ودقت الطبول وسيرت الجيوش ولكن لمنعثر بعد على مخابئ الفساد ولم نتعرف لفاسد بعد

 

دائرة مكافحة الفساد ديوان المحاسبة ديوان الرقابة والتفتيش  ولجنة جديدة لمكافحة الفسادسيارات موظفين بنايات قرطاسية وكراسي وبرادي وثاث فاخر وكرافتات فايته واخرى خارجه ولجان  يشكلها مجلس الوزراء من شخصيات معروفة ومشهود لها بالكفاءة والمهنية والحياد وغيرها من التوصيفات الشخصية التي ينبغي أن تنطبق على من تتشكل منهم هذه اللجان عادة كأفراد .. هذا جميل ولكن ؟

ثمة تساؤلات تدور عادة حول وظيفة ونتاجات مثل هذه اللجان ,في الاردن  أو في غيرها من دول ومجتمعات العالم, وهي لا تتصل بالمزايا الشخصية لأفرادها , أو ما هو مشهود لهم وفيهم من الكفاءة والمهنية والنزاهة وغيرها, بل تساؤلات تتصل بحدود الطيف الذي ستعمل فيه هذه اللجان , وبصلاحيات الوظيفة الموكلة إليها , وبقدرتها على ملاحقة الموارد والمسالك غير المرئية التي يرتشف الفساد منها أوكسيره , والأهم من هذا وذاك .. تساؤلات تتصل بالارتكابات والأخطاء التي تتخذ طابعا مشروعا في التكليف الإداري والأداء الحكومي , لكنها تتحول سريعا إلى بؤرة فساد جديدة , ليس على صعيد الرشوة أو الاختلاس أو هدر المال العام مباشرة .. ارتكابات تشبه إلى حد بعيد عملية غسيل الأموال في عالم المال والاقتصاد , ولتصير هنا عملية لغسيل الفساد ذاته بالقرار الإداري المشروع والقانوني ظاهرا!‏‏

أعتقد أن ثمة مفهوما جديدا للفساد ينبغي إعادة نحته وتوصيفه اليوم , إذا أردنا حقا تتبع بؤر الفساد في جذوره المتخفية , وليس فقط في أوراق أغصانه الظاهرة , بمعنى أن الفساد ليس هو فقط الرشوة وهدر المال العام واختلاسه بهذه الطريقة أو تلك , والتي غالبا ما تكون مغطاة بورق قانوني وبتوقيعات وأختام نظامية , فنادرا , على سبيل المثال, ما يتم تعقب الفساد في سوء تنفيذ المشارع المنجزة وقد انجزت وسلمت وبشهادة الأوراق القانونية والنظامية .‏‏

أتحدث هنا عن فساد متخف ينتج فسادا ظاهرا , أما الفساد المتخفي فيكمن في طريقة اختيار مفاصل الإدارات بمختلف مراتبها ومستوياتها , والتي لا يعلم أحد وفق أي من المعايير والمقاييس تتم , وما هي الفلسفة التي يستند إليها صاحب القرار في اختيار الإدارات الأدنى منه , ويكمن أيضا وبالذات في تدخلات جهات ما داخل الحكومة وغالبا من خارجها على السواء في زرع مدير هنا وآخر هناك , وهي جهات لا تمت أصلا بصلة معرفية أو وصائية لطبيعة الموقع الإداري ومقوماته ولا لطبيعة العمل في هذا القطاع أو ذاك ولا لشروط تنميته وتسييره , الأمر الذي لا يتسبب فقط في الإساءة للعمل وإنتاجه من خلال زراعة الكفاءات غير المؤهلة , بل وإلى عزل وإحباط الكفاءات الحقيقية والمؤهلة وإلى تبديد إمكاناتها وخبراتها , ومن ثم دفعها إلى الانزواء والعزلة !‏‏

أمام مثال بسيط كهذا , ومهما كانت كفاءة ونزاهة ومهنية أفراد لجان مكافحة الفساد, ومهما كان حجم الأمل المعول عليهم وعلى لجانهم , فإنهم سيواجهون صعوبة في قصقصة أوراق الفساد وأغصانه .. فما بالك بجذوره الممتدة والمتخفية !‏‏

pressziad@yahoo.com