شكرا وزارة التربية

كل من كتبت أو كتب في نقد التعليم والمناهج والكتب المدرسية يجب أن يهنّئ وزارة التربية والتعليم على الخطوة الباسلة التي قامت بها في إعادة تأهيل الكتاب المدرسيّ ليصلُح للعصر، وليناسب أعمار الطلبة وحاجات الطفولة والمراهقة، وصنع المستقبل. وإذا أني أتحدَّث تحديداً عن كتب اللغة العربيّة الجديدة، فإنه يمكنني القول إن الإصلاح الذي طال هذه الكتب للصفوف الإعدادية والثانويّة، هو إصلاح جذريٌّ يعكسُ رؤيةً جميلةً للعالم، ووسعاً في محبة الإنسان والوطن مع مكوناته البشرية والطبيعيّة. وقد اختيرت النصوص على أساسٍ بلاغيٍّ وجماليٍّ يرعى ذائقة الطلبة، ويوجهها نحو الصورة الشعريّة، ويثري مخزونهم/ن اللغوي، في موضوعات يتألَّقُ فيها الحبّ والتساؤل والدهشة وإيقاع المشاعر الإنسانيّة. سعدتُ أن غباراً كثيفاً نُفض عن النصوص وعن طريقة دفع الطلبة إلى تناول اللغة بحبٍّ وحريّة، واحترام التنوّع والاختلاف.. مما عظَّم لديّ الأمل بما سيأتي.. والمأمول ليس قليلاً.
وينسجمُ أشدَّ الانسجام مع هذا المنحى الانفتاحُ في الكتب والمناهج على الآداب الأخرى والثقافات الأخرى، وعلى الفنون كافّة، وعلى تعليم الفلسفة والمنطق والأخلاق، وعلى تعليم التاريخ على أنه تاريخ شعوبٍ وحضارات، دون انتقاءٍ وتطهير؛ فالقحط الذي أصاب التربية في السنوات السابقة انعكس على الطلبة قحطاً في أرواحهم حيث مالوا إلى العنف، واليأس، والسطحيّة، والاستهتار بقيم العمل والإتقان والإبداع، وظهرت أمراضٌ كان أخطرها تزيين الإرهاب، وانتشاره في السلوك اللفظي والسلوك البدنيّ، وفي التحاق أعداد مهولة بداعش وأخواتها، وفي الحوادث الخطيرة التي دمرت وقتلت.
وكل ذلك تمّ في غياب برنامج للطفولة والشباب تضعه وترعاه حكومات مشغولة بالاقتصاد عن فحوى التربية، وبضبط الحريات والأمن عن تفعيل دور الثقافة، فلا مراكز لثقافة الأطفال ولثقافة الشباب، مما خلق فراغاً مريعاً ملأته مؤسَّساتٌ أخرى مريبة التمويل والأجندات، وتشجع على الصلافة والكراهية والانشغال بقشور القشور.
كان لا بدّ إذن لوزارة التربية أن تخطو نحو الصحيح، وهي خطوة أولى ننتظر أن يتلوها استكمال لمشروع تطوير المناهج وبقية الكتب والموضوعات، وإعادة تأهيل المعلمين والمعلمات لتغدو المهنة مطلوبةً من أوائل المملكة أسوة بالطبّ والهندسة. فمن دون الرقيّ بالمهنة كعمودٍ فقريّ للتطور والإصلاح، لن يكون ممكناً تحقيق مستقبلٍ للبلد وأبنائه وبناته يواجه أشرس التحديّات.
شكراً وزارة التربية... والبقية تأتي.
أرأيتم/ن؟ دعونا فعلاً لا نفقد الأمل...!