المُتباكون على.. داريّا!

فيما يواصل رهط المتباكين وذارفي دموع التماسيح على المصير الذي آل إليه مسلحو داريا والهزيمة النكراء التي حققت بمشروعهم التكفيري، عندما اخذوا على عاتقهم مهمة تنفيذ خطط اسيادهم التي انضجتها تحالفات الغرف السوداء, والهادفة الى إسقاط الدولة السورية وإعادة انتاج مشهد «جيوسياسي» جديد، يطوي صفحة الوشائج القومية ويفتح الطريق على سيطرة صهيونية كاملة بجدول اعمال استعماري غربي، يضع حدا لطموحات الشعوب العربية في التحرر والإنعتاق ووقف عربدة اسرائيل واطاحة مشروعها الرامي الى تصفية القضية الفلسطينية وتكريس العصر الصهيواميركي في المنطقة العربية، رغم الهزائم والنكسات الذي لحق بالمشروع الامبريالي في اكثر من منطقة في العالم, سواء في اميركا اللاتينية ام اسيا وخصوصا في اوروبا الشرقية وعلى التحديد في جورجيا واوكرانيا وعودة شبه جزيرة القرم الى الوطن الام، بعد ان اراد المستعمرون الجدد توظيف تلك المنطقة الاستراتيجية لاستكمال محاصرة روسيا و»تحويلها» الى دولة عادية بل هي (كانت ولم تزل ربما) في نظر الرئيس المنتهية ولايته باراك حسين اوباما, مجرد دولة من دول العالم الثالث (كذا)، كما قال اكثر من مرة، اول رئيس اسود للبلاد التي اباد مهاجروها»البيض» السكان الاصليين في اكبر مذبحة عرفها التاريخ الانساني قديمه والحديث.

ما علينا..

يتناسى المُتباكون على داريا والفشل الذي حصدته خطط الساعين للاستيلاء على العاصمة دمشق واعلان دولتهم الحرة الديمقراطية بأردية وأقنعة اسلاموية واخرى نيوليبرالية وثالثة لا ترى في دولة العدو الصهيوني سوى جارة وان الشعب السوري هو «وحده» من سيقرر «طبيعة» علاقاته مع اسرائيل على ما قال يوم امس اسلام علوش الناطق باسم جيش الاسلام (وما ادراك ما جيش الاسلام والجمع الاقليمي الذي استولده ورعاه ودعمه وراهن على قدرته احتلال دمشق وإسقاط الدولة السورية)، في مقابلة مع الباحثة الاسرائيلية (نعم الاسرائيلية) اليزابيث تسوركب، العاملة لدى موقع «منتدى التفكير الاقليمي» وهذه المعلومات اوردها موقع «المصدر» الاسرائيلي ولم يقم المجاهد الثائر اسلام علوش ولا اي احد من ثوار جيش الاسلام الجهادي بنفي اخبار «فاضحة وكاشفة»..كهذه بل أكد لا فض فوه»..نحن لن نكون مَن يسلب القرار من السوريين,كما فعلت اسرة ألأسد على أكثر من أربعين عاماً» ختم الثائر الهمام.

نقول: يتناسى المتباكون على داريا، الحقائق التي تكشفت بعد انتهاء عملية إخراج المسلحين من داريا, و حقيقة اعدادهم التي باتت معلومة للجميع ولم تعد سراً من الأسرار, ما بالك اذا ما ثبت فعلياً ان عدد المسلحين لم يتجاوز (1217) مسلحاً معظمهم من الفتيان، اما عدد من رافقهم من عائلاتهم او «المدنيين» الذين قرّروا الذهاب الى إدلب فلم يزيدوا على (534) شخصاً.

ماذا عن «المدنيين» الذين تم ترحيلهم»مؤقتاً الى بلدة «حرجلة» بريف دمشق الجنوبي؟ هم لم يتجاوز الألف نسمة.. فأين هو اذاً التغيير الديموغرافي المنتظر؟ واين هي عمليات التهجير الرامية الى «احلال» رعايا ايرانيين ولبنانيين (وكأني بهم يشيرون الى «الشيعة» في شكل خاص) ما دامت البلدة المُزنّرة بالألغام والعبوات الناسفة, والتي حرق المسلحون ابنيتها وما تبقى من معالمها قبل اندحارهم ورحيلهم..غير صالحة للسكن؟؟

ثم...

ألم يكن يجدر بهؤلاء»المُتباكين» استخلاص دروس الأزمة السورية المتمادية فصولاً وخراباً ودماراً وسفكاً للدماء وتدخلات من كل دول العالم، آخرهم كانت تركيا العثمانية التي تُواصِل مقارفة المجازر والارتكابات وتحاول الطمس على ذلك بالزعم ان الضحايا في قرية «جب الكوسا» جنوبي جرابلس المُحتلة، هم من القوات الكردية، وان يدعوا هؤلاء, الى تعميم المُصالحات والتفاهمات التي يتم انجازها في اكثر من محافظة سورية، لاستعادة الهدوء والبدء باعمار البلاد والتأسيس لسوريا الجديدة الديمقراطية والتعددية، ودولة كل مواطنيها, وفي الدرجة الاولى الدولة المُوحَّدة ذات السيادة على كل اراضيها, مع حق الجميع في احترام خصوصياتهم الثقافية والإثنية والعِرقِية, وأن تكون «الصناديق» هي الممر الاجباري والوحيد للوصول الى السلطة, دون اي استثناءات او امتيازات, بدءاً من موقع رئيس الجمهورية الذي هو حق لكل سوري يتمتع بالأهلية الدستورية للتنافس عليه بمن فيهم الرئيس السوري الحالي, وليس انتهاء بأي منصب او موقع في بلدية او نقابة.

ليس لـِ»سردية» المتباكين على داريا، اي فرصة للنجاح، بعد ان سقطت تلك السردية امام الوقائع الميدانية, وربما يتساءل المرء ماذا سيكون رد فعل هؤلاء، اذا ما سمعوا «قريباً وربما قريباً جداً» عن مصالحة أخرى، وطازجة في بلدة «المعضمية» التي باتت امور مصالحتها على طريق النضوج, وفي سيناريو يُشابه تماماً سيناريو داريا، بعيداً عن اصابع الأمم المتحدة التي لا تزيد الامور الا تعقيداً ومزايدة ورغبة»وافرة» في إفشال المصالحات واستمرار معاناة السوريين.

في السطر الأخير يتناسى المُتباكون على داريا، حقيقة ان اكثر من 99% من سكانها الاصليين, كانوا قد غادروها منذ فترة طويلة, ومن بقى منهم كانوا «رهائن» في أيدي المسلحين، الى ان ادرك هؤلاء القتلة, ان لعبتهم قد انتهت وليس امامهم سوى الاستسلام، والاّ واجهوا الموت.. أما حكاية التهجير وإسكان غيرهم من «الطوائف والمذاهب»لإحداث تغيير ديموغرافي... فننصحهم بأن يُخيِّطوا بغير هذه... «المَسَلَّة».