التجــريــــب الانتخــابـــي

مازالت العقلية التي تتحكم بمسار حق الأردنيين الدستوري في إنتخاب مجلس النواب ، عقلية عدم الثقة بقرارات الأردنيين وتوجهاتهم في كيفية إفراز قيادات برلمانية موثوقة تحمل تطلعات الأردنيين نحو وطن أكثر راحة وأفضل خدمة وأوسع مشاركة شعبية في مؤسسات صنع القرار عبر تمثيل جدي ملموس ، من مختلف المكونات الأردنية من أبناء الريف والبادية والمدن والمخيمات .
عقلية التجريب هي العنوان السائد ، وهي المضمون الحي ، وهي المسار الأرجح في قوانين الانتخاب المؤقتة والمشرعة منذ عام 1989 ، منذ ذلك العام بعد أن إستعاد الأردنيون حقوقهم الدستورية في التمثيل ، وإستئناف الحياة البرلمانية ، وحرية العمل الحزبي والسياسي ، ونحن نواجه قوانين إنتخاب متغيرة متبدلة غير تطورية ، تفتقد للثبات والمراكمة وإختزان الخبرة ، بدأنا بالتصويت الجمعي ، إلى الصوت الواحد ، إلى الصوت الوهمي ، ومن القائمة الوطنية إلى قوائم المحافظات ، ومن النسبية المغلقة إلى النسبية المفتوحة ، حيث إستعملنا كافة القوانين والنظم المجربة في العالم ، ويكفي أن ندخل مجموعة " غينيس " بإعتبار الأردن البلد الأكثر توظيفاً لمختلف النظم الانتخابية والأكثر إستعمالاً لها في فترة زمنية لا تتجاوز ربع قرن من السنين .
ما الفائدة من كل هذا ، بعد أن أدى " التجريب القانوني " إلى شيوع الارباك والتوهان وتغييب الخبرات ، وضياع التجارب وبوصلة الوصول إلى الهدف ، والهدف هو تمثيل حقيقي للأردنيين لدى المؤسسة التشريعية ، من أجل يكون مجلس النواب ، ممثل الشعب وأدواته ، في التحكم بالسلطة التنفيذية ، ومرجعيتها ، ومن خلال تشكيل حكومات برلمانية حزبية تعكس الأغلبية البرلمانية إنعكاساً لمصالح الشعب وأولوياته ، وفق النظم الديمقراطية في العالم ، وإعتماداً على خبراتها وتجاربها المختبرة .  
التيار المحافظ التقليدي الأكثر تمثيلاً والأوسع إنتشاراً ، الذي يشكل القاعدة الاجتماعية لمؤسسات صنع القرار هو الأكثر تضرراً من عمليات التجريب ، نظراً لضعف قدراته وضعف إمكاناته ، ولذلك يقع في مطب إفراز قيادات برلمانية غير مؤهلة ، بينما شريحة رجال الأعمال يتكيفون مع كافة المعطيات والمتغيرات نظراً لأمتلاكهم الامكانيات المالية ، وللقدرات المهنية ، ومعرفتهم بدقة لمصالحهم وكيفية الدفاع عنها ، أما الشريحة الثالثة من السياسيين وغالبيتهم من الإخوان المسلمين فهم الشريحة المقصودة في التبدلات القانونية وتغيير النظم الانتخابية ، بهدف بقائهم أسرى عدم اليقين في تحصيل مناسب تعكس قدراتهم ونفوذهم .
لقد إستنكف العديد من الشخصيات والذوات الأردنية المعتبرة عن التقدم إلى الترشيح والمشاركة في العملية الديمقراطية ، وخوض التنافس الانتخابي ، بدءاً من ممدوح العبادي إلى توفيق كريشان ، ومن محمد داودية إلى سمير حباشنة وفي طليعتهم عبد الهادي المجالي ، وغيرهم العشرات إن لم يكونوا المئات ، إما بسبب القانون التجريبي الجديد المستجد ، أو لعدم توفر التغطية المالية لخوض التنافس البرلماني ، أو لإسباب أخرى ، مما يفقد مجلس النواب خبرات تمثيلية مطلوبة ، خاصة وأن هؤلاء وما يمثلون مع أمثالهم من ممثلي التيار الاصلاحي المنسجم مع خيارات رأس الدولة وأوراقه النقاشية ، المستمد قوته وتمثيله من ممثلي التيار المحافظ التقليدي ، ومن شريحته المتقدمة ، سواء بخطوة متقدمة إلى الأمام أو بخطوة تراجعية إلى الخلف ، ولكنهم في السياق هم من المجربين أمثال موسى المعايطة وخالد كلالدة ومحمد المومني ، الذين يمثلون القاعدة الاجتماعية للحكم وللنظام ولمؤسساته النافذة .
الذين يبرمجون للحكومات هم مثل " بائعي الخضار " اليوميين ، المهم تنفيذ مهام اليوم وبيع ما لديهم ، ولغد مهامه الأخرى وسلعه المختلفة ، وفرصه المتغيرة ، لا أحد يضع برنامجاً تراكمياً إصلاحياً يمنع التطرف والجموح مثلما يمنع الاستسلام والخنوع فكلاهما مؤذٍ ويفقد الدولة أهم عناصر إستقرارها ونجاحها وتقدمها وهو وجود قاعدة إجتماعية واسعة للحكم وللنظام تسعى له مثلما يسعى إليها ، تحافظ عليه مثلما يحرص عليها ، مثل كل العناوين الصعبة التي مررنا بها وأنقذت الأردن من التمزق والضعف والهلاك .