المشاركة وتزوير الانتخابات النيابية

أصبحت الانتخابات النيابية على الأبواب، ولم يتبق ليوم الاقتراع سوى 25 يوماً، ومع ذلك فإن رغبة ودافعية الأردنيين للمشاركة ما تزال محدودة، والتردد سمة غالبة عليهم، فهم يسألون دائماً ما جدوى المشاركة، وماذا فعل لنا النواب في مجالسهم السابقة؟
وربما تكون نسبة المشاركة في الانتخابات أزمة لا تواجه الأردن فقط، بل الكثير من دول العالم حتى الديمقراطية، ولجأت بعض الدول إلى النص على غرامات وعقوبات مالية لمن لا يذهب إلى صندوق الاقتراع.
أتفهم هذه الأزمة التي تتجاوز حدود الأردن، ويجب أن لا تصبح هاجساً ومصدر قلق للهيئة المستقلة للانتخاب والدولة الأردنية، فالتوعية بأهمية المشاركة الانتخابية مستمرة من مؤسسات المجتمع المدني ومن الهيئة المستقلة للانتخاب، وهذا هو المطلوب فقط، لا أن نفكر كما حدث في انتخابات سابقة بأن نرفع نسب المشاركة حتى ولو كان هذا على حساب النزاهة والشفافية؟!
لا توجد مقاطعة للانتخابات من أي حزب أو تيار سياسي، وهذا يعني أننا لا نحتاج أن نثبت للعالم بأن الناس منحازة لنا، ومشارِكة ومقبلة على الانتخابات، فالدولة ليست في "مكاسرة" مع أحد، ومن يريد أن ينتخب ويمارس حقه فأهلاً وسهلاً، ومن لا يريد الذهاب فهذا خياره وحقه.
ما يقلق ليست مشاركة الأردنيين في الانتخابات أو عزوفهم، وإنما القناعات المترسخة عند الكثيرين ومنهم من كان في السلطة بأن الانتخابات لن تكون نزيهة، وأن الحكومة وأجهزتها ستتلاعب بها مهما كان موقف الهيئة المستقلة.
حين يتحدثون عن تزوير الانتخابات والتلاعب بإرادة الناخبين يعطونك قصصا وحكايات تبدأ ولا تنتهي، ويعيدونك الى تصريحات لمسؤولين سابقين كانوا يتفاخرون بصناعتهم للعديد من النواب زوراً، وهذه باعتقادي مشكلة وأزمة الدولة، كيف تستعيد ثقة المواطن، كيف تقنعهم بأن الهيئة المستقلة للانتخاب وكل أجهزة إنفاذ القانون محايدة ولن تقف مع طرف ضد الآخر، وأن إرادة الناخبين لن يتم العبث بها؟
في الأسابيع الماضية خضت حوارات موسعة وقلت إن الدولة لن تعبث بالانتخابات هذه المرة، ليس لأنها لا تريد ذلك فحسب، وإنما لأن قانون الانتخاب والأنظمة والتعليمات التي وضعتها الهيئة المستقلة تمنع إلى حد كبير التلاعب وتحد منه، فعلى سبيل المثال فرز صناديق الاقتراع يتم في ذات المكان، ولا يوجد ترحيل للصناديق إلى قاعات مركزية، والفرز يتم بحضور ممثلين للمرشحين، ولا يوجد إخلاء لقاعات الاقتراع لغايات الصلاة أو الغداء أو العشاء، بل تناوب على العمل وتحت رقابة المرشحين ومؤسسات الرصد والرقابة الوطنية والدولية.
وأيضاً فإن كل ورقة اقتراع تعرض على شاشة تلفزيونية تكشف وتوثق بالصورة والصوت لمن تم التصويت، والأهم أن كل غرفة اقتراع محدد سلفا من سينتخب فيها وبمجرد تصويته سيظهر ذلك الكترونياً وسيلصق بإصبعه الحبر السري.
الإجراءات التي وضعت تتماهى إلى حد كبير مع أفضل الممارسات الدولية التي تتبع بالعملية الانتخابية في أعرق الديمقراطيات، ومع ذلك فإن هناك من يقسم لك أغلظ الأيمان بأنهم سيزوّرون، وحين تسأله كيف، يجيبك بأن الدولة قوية ولن تعدم وسيلة لفعل ذلك؟
لا شك بأن الدولة وأجهزتها قوية، ولا أحد يستطيع "مناطحتها"، ولكن ما مصلحة الدولة بالتلاعب بنتائج الانتخابات إذا كان القانون يضمن أن لا تحتكر جهة غالبية المقاعد، فهي فصلت ووضعت قواعد اللعبة وتعلم مسبقاً نتائجها بصورة واقعية ودقيقة!
كل النقاش ينصرف إلى الخوف من حصول حزب جبهة العمل الإسلامي على مقاعد أكثر من التوقعات، وأن هناك صراعا في الدولة بين رؤى وتوجهات متعددة، وهذا المفصل هو ما يدفع البعض إلى رفع الصوت بأن التدخل قادم لا محالة؟
باعتقادي أن القانون لا يؤهل جبهة العمل الإسلامي مهما كانت قوتها التنظيمية أن تحصد غالبية مؤثرة من المقاعد في البرلمان، بالتأكيد ستحصل مع حلفائها وخاصة بعد تركيزها على الكوتات ومقاعد الأقليات على مقاعد تؤهلها لتشكيل كتلة معارضة منظمة ذات صوت مسموع، وهذا ما كانت عليه في أحسن الأحوال في برلمان 1989، والأكثر أهمية باعتقادي أن حزب جبهة العمل الإسلامي يرى في الانتخابات فرصة ليعيد تأهيله لاعباً سياسياً شرعياً في الدولة بعد تضييق الخناق عليه، ولا أتوقع أبداً أنه يريد الانتخابات "للمكاسرة" مع الدولة وللمغالبة والصراع، وإنما للتعايش والاستمرار وإعادة وصل ما انقطع.
ستجرى الانتخابات في 9/20 لنقول للعالم بأن الأردن مختلف، غير أن الجدل الداخلي حول مسار الديمقراطية والإصلاح لن يتوقف.