الثقة تقوم على الصدق والوفاء
تقوم الثقة المتبادلة بين الأفراد والجماعات على أساس التجربة في التعامل وعلى مدى احترام كل طرف من المتعاملين لحقوق الآخر والوفاء بما يترتب على كل طرف تجاه الطرف الآخر. وتبنى الثقة وتنمو وتتعزز بين المتعاملين عندما تقوم على الصدق المتبادل والحب والقلق على مصلحة الآخر واعتبارها أمانة يتوجب صونها والحفاظ عليها.
وكلما ارتفع منسوب المصداقية تعززت الثقة وترسخت وارتقت العلاقة لمستوى الإيثار والإنصهار والتوحد مع الطرف الآخر. عندها يصبح التوجه واحدا والطموح مشتركا والهدف يعمل على تحقيقه الطرفان.
أما عند الإخلال بهذا العقد الذي قوامه الثقة، تختل العلاقة ويصبح التعامل حذرا ويتطلب ضمانات تحمي نتائج التعامل. وعند تكرار العبث والتخلي عن الثوابت، يبدأ الطرف المتضرر بفقدان الثقة تدريجيا لتنتهي به بالبحث عن بديل وشريك يستحق ثقته ويعمل على أساسها. وبهذا تنقطع العلاقة التي كان قوامها الثقة وانتقلت لمستوى الإيثار.
ما سبق من تقديم ينطبق على العلاقة بين الأفراد والجماعات وبشكل أوسع بين الحاكم والمحكوم أو بين الشعب والنظام على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي والسياسي. لنحصر حديثنا عن الشعب والسلطة ولنكن مباشرين، عندما يرى الشعب أن السلطة تحللت من مسؤوليتها الحقيقية تجاه الشعب، سيرى الشعب نفسه بحل من القوانين والقرارات والضوابط التي سنتها السلطة وينفرد بموقف مغاير لا يؤمن بضوابط الإيقاع المجتمعي. الحال عندها حال انفلات وفوضى تكون بها السلطة بواد والشعب بواد آخر. وهو ما حصل تماما في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن ونفس الحال مرشحة لتكرر نفسها بباقي الدول العربية دون استثناء إن لم يتم الإنتباه وبصدق لما تعانيه الشعوب المنقسمة نظاما وشعبا وبينهما مسافات طوال.
عند التحري والإستطلاع وسماع الآراء من مختلف فئات الشعب، نخلص للقول أن هناك انقسام بين الشعب والسلطة سببه التقصير وغياب العدل وعدم تفعيل الرقابة الوطنية الغيورة التي تفتقر لأدوات تطبيقية وتنفيذية وطنية وغيورة. حالنا يستدعي ومن أعلى المستويات أي من جلالة الملك التدخل والإهتمام وإطلاق ثورته البيضاء لتغيير الطواقم النافذة والمتنفذة بكل أجهزة ومؤسسات الدولة درءا لما يمكن أن يدفع الناس أن تنحو منحى قائم على أساس الإنقسام.
لقد بات من الضرورة الملحة التي تطرق أبواب مؤسسة صناعة القرار التوقف عن تحميل الشعب مسؤولية أخطاء الحكومات وكفى القول بأن مجلس النواب من اختياره وكفى تغني بوعي المواطن ونشكر المواطن والأجهزة الأمنية على الجهد والتشاركية لتحقيق الأمن والأمان وأراهما قد أصيبا بلوثة من غفلة. أليس هناك ما يستحق العمل لتحقيقه غير الأمن والأمان؟؟ طالما طمأنتمونا بهذا الخصوص، ألا تروا ما هو بحاجة للتحقيق؟؟ أم أن الحياة بذهنيتكم هي فقط أمن وأمان وما عداهما ثانوي؟؟
الثقة بمؤسسات الدولة تكاد تكون انعدمت إن لم تنعدم تماما وقد قالها جلالة الملك مرارا. وعندما يشير الملك لانعدام شيء أو وجود خلل ما، فذلك يعني رسالة موجهة للحكومة وإشارة للبدء بالعمل على استعادته أو توفيره أو تصحيحه، لكنا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا. حال كهذا يدفعنا للتساؤل: هل هناك سياسة بان يظهر الملك بصورة المنقذ للحفاظ على سمعته وشعبيته بينما الحكومة لا تنفذ ولا تطبق شيئا ولو قليلا مما نسمعه من جلالته؟؟ هل هناك استنتاج غير هذا مع تكرار اهتمام الملك بحال المواطن والحكومات "غذن من طين وأخرى من عجين"؟؟
جلالة الملك يشير أحيانا تعميما وأحيانا تخصيصا لمواطن الخلل وما على الحكومة إلا التقاط هذه الإشارات وتحقيقها واقعا ملموسا. وفي الوضع الطبيعي، يجب على الحكومة أن لا تضطر الملك أن يتحمل تقصير الحكومة التي من أولوياتها خدمة المواطن. فعندما يوجه الملك المعنيين ولا يقوموا بالتنفيذ، عندها الأنظار ستتجه للملك وكأن لسان حال الشعب يقول: جلالة الملك ما أمرت به لم ينفذ، فماذا أنت فاعل؟؟
الثقة لا تستعاد باستقبال لاعب أحرز ميدالية ذهبية وآ خر فضية ولا بإخلاء أسرة تعرضت لحادث سير ولا ببناء بيت متواضع سرعان ما ينهار لأسرة محتاجة ولا بالتنديد بما تصنعه اسرائيل بالفلسطينيين والأقصى ولا بالإعلان عن مقتل متسللين. لكنها خطوات تخفف مؤقتا من زخم اللوم وتهدئة الأعصاب المتشنجة التي أصابها فايروس من يديرون ماكينة الحياة.
الثقة تعني وجود مصداقية مستدامة قائمة على حماية المواطن من كافة الأخطار وبشتى السبل وليس تعريته وتركه لبرد الشتاء وحر الصيف. ليست حمايته فقط عسكريا وأمنيا بل حمايته من ارتفاع الأسعار وتحصينه ضد الضرائب المهلكة إذ ندفع ضرائب مثل السويد والمردود علينا مثل الصومال. شوارعنا مليئة بالحفر والمطبات والصيانة والترميم نادران وحوادث السير حدث ولا حرج بسبب الإهمال والتقصير. معاملة المظف للمواطن أشبه ما تكون بالإستعطاف وطلب السفقة. في العالم الحقيقي، العلاقة بين الطرفين عكس ما لدينا تماما، حيث الموظف يشعر المواطن بأنه موجود لخدمته وليس لعرقلته وإضاعة وقته.
والحماية توجب على الدولة توفير فرص عمل وعدم تحميل المواطن ما ليس بقدرته وضبط الإنفاق الحكومي وترشيد الإستهلاك بدءا بالحكومة ووقف اساليب التنفيع للمحاسيب ووقف البذخ الحكومي ووقف التوريث وتغيير الخطاب الرسمي ليشتمل على مساحة كافية من احترام العقل الأردني ونسخ خطاب الإستخفاف.
نحن الآن في مرحلة حاسمة تحوي الكثير من الخلل والشوائب الراسية في القعر سرعان ما تطفو على السطح عند أول هبة ريح فتعكر الماء الصافي لخلق جو من الفوضى تترعرع به إذ لا وجود لها بحال استقامت الأحوال واعتدل النهج وطبق العدل وفعلت الرقابة وتولى الغيورون زمام الأمور.
نحن الآن أمام ضرورة ملحة لتقوم الدولة بنظامها ومؤسساتها بمراجعة أدوات وأساليب ومناهج إدارة الشأن العام الأردني، مراجعة من خلالها يتم تقليم وتشذيب القرارات والقوانين والأشخاص الذين كانوا سببا بالإضرار بالمواطن حتى يلمس المواطن أن هناك نوايا صادقة ودولة تقلق لصالحه وتعمل على خدمته فعلا لا قولا. عندها يبدأ مشروع بناء الثقة التي بدونها سيبقى الإنقسام الساكن بالعقل الباطن للشعب والذي يشده للخلف هو المسيطر مما يبقي الخلل قائما والذي بدوره سيؤدي يوما للإنفجار.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com