العودة حق لا يسقط حتى بالموت
العودة حق لا يسقط حتى بالموت
بالأمس كانت بروفة العودة.. فطلائع العائدون بدأت بالسير نحو فلسطين بلا وجل.. وعند أول اللقاء قدّموا هدية متواضعة للوطن.. شهداء انضموا إلى قافلة (الأحياء عند ربهم)، رجع الجميع.. بعضهم في الكفن.. وبعضهم مصاب في الجسد.. وبعضهم كان مصاب بالقهر الذي لا ينتهي إلا على مذبح الوطن.. ولكنهم جميعا رجعوا بلا خوف وبلا تعب.. رجعوا.. ليعودوا من جديد.. وهم يعلمون أن القدس أصبحت على مرمى حجر.
في بروفة رحلة العودة أمس والى كل المعابر إلى فلسطين كانت الأفواج تشعر بأنها ليس وحدها التي تستكشف الوديان والممرات الترابية والشوارع باتجاه الوطن، فالرحمة كانت مرئية، والعزة كانت محسوسة وهي تحمل الرؤوس ولا تسندها إلى الأكتاف، وكانت هناك أسراب النورس التي تسابقت على زف العائدين إلى الوطن.
نعم كان هناك أشياء كثيرة.. وأبعاد كبيرة.. ومسافات للوطن -وان قديما طالت- كانت بالأمس قصيرة، نعم كانت الجنة تلتحف العائدين كما الأم مع الولد.. ولكن لإعطاء المشهد نوعا آخر من التحدي ربما.. أو نوعا من القرف.. كان أيضا هناك أشياء لا لزوم لها على الأرض حاولت أن تصطاد النوارس وتغتال الوطن وتدوس الرحمة وتعبث بالزمن.. نعم كان هناك أيضا (شبّيحة) وكان هناك بضع من أباليس قدموا إلى الحياة بلا ثمن.
نفهم لماذا العدو أطلق النار علينا في الجولان أو لبنان أو في غزة.. فهو العدو الذي ننام كل يوم على لعنه، ولكن لم نفهم لغاية الآن لما تكسرت هراوات (خالد ومحمود وإبراهيم) على رؤوس (خالد ومحمود وإبراهيم) أيضا.. فكيف يكره الإنسان نفسه..!
عائدون حتما.. كلنا عائدون.. وحتى الخطايا نحملها ولا نتركها.. وأرواح الأموات سبقتنا.. وتحت التراب لم يعد سوى التراب، فحق العودة لا يلغيه حتى انطباق الأرض بالسماء..
جرير خلف