التعليم للجميع.. بين دمار وخطط بديلة والمشهد مازال مؤسف
ربا قنديل
من مشاهد الخراب والدمار اطل الطفل عمران اغبر والدم يسيل من رأسه. ولعل مشهد الألم الذي انتابني جاء من ردة فعله عندما وضع المسكين يده على عينه لينظر باطنها ويمسحها بشكل صادم ومباغت وسريع بالمقعد الجالس عليه. ونحن نتجلى بإعداد مقاطع ندمجها بموسيقى حزينة أكثر ما يمكن لتصل المأساة بصورة أضخم لبشرية أصابها الصم والعمى او ربما ان الموت السرير أقحم جسدها ولا سبيل لإنقاذها.
عمران كغيره من الأطفال الذين عانوا من أزمات وويلات ومجازر ولدوا من رحم الحروب، ورضعوا من أثداء اختلط بها الحليب بطعم المتفجرات والقنابل والرصاص والغبار. كما نشئوا على أصوات أمهماتهم المختلطة بأصوات التفجير والرصاص في أي ناحية كانوا سواءً ان كان في مشرق الأرض او مغربها ففي كل رقعة على هذه البسيطة الغراء هناك قطعة شبعت بالدماء، وتكفلت الأتربة والأمطار بإزالة أثرها و اعشوشبت من جديد كما ان شيء لم يكن. لكن آثر الدماء ليس بالضرورة ان يعلم على القطع التي سال منها، فنواتج الأزمة السورية طبعت أثارها في الأردن بشكل متين يصعب إزالته بأي نوع من المساحيق والعوامل الأخرى سواء كانت نفسية أو اقتصادية او تجميلية. ولعل هذا الأثر أسهم في تدمير شريحة الاقتصاد وحال بالشبان عطالة متفاقمة كما انه أنهك التعليم وتمكن من إصابته بالنخاع الشوكي حتى اصبح مشلول. مع ذلك فالفرصة متاحة لمن مازال يسير على قدميه او عبر اعجال مطاطية ولمن القي على السرير دون حركة أيضا.
وما يلفتني في هذا المقطع الحليف بالأحاديث والتكهنات المشهد الدرامي الذي قامت وزارة التربية بتمثيله واعتماده والتوقيع عليه ليبث بكل فخر عبر شاشات التلفاز تحت عنوان (العودة للمدارس / التعليم للجميع) وهي حملة من شأنها دمج عدد كبير من الطلبة اللاجئين في المدارس الحكومية المصابة بالعطب يبلغ عددهم145 الف طالب سوري، إضافة إلى 40 الف طالب من جنسيات أخرى، بهدف فتح مجال لتلقي التعليم عن طريق إعداد مدارس لاستيعابهم ضمن فترتين (صباحية ومسائية) متغافلين عن عدد الساعات التي ستقل اثر ذلك والتي ستتراوح مابين 5-6 ساعات تعليمية للطالب الأردني النظامي وكذلك اللاجئ مما قد يعيق فرصة تعليم الطالب كما أنها تتيح للمعلمين والإداريين العمل ضمن الفترتين وهذا من شأنه ان يفقد المعلم العطاء والطاقة بالتالي يصبح التدريس مضيعة للوقت دون أدنى فائدة او حماس يذكر متغافلين برامج التعليم في ظل الأزمات، وضرورة إقامة مدارس جديدة لاستيعاب اللاجئين حتى لو كانت بإعداد قليلة أي ضمن تكلفة300 مليون. دولار المقدمات من "اليونيسيف" او حتى بإقامة أيام تعليمية أسبوعية مكثفة (3 أيام على سبيل المثال) لتهيئتهم والسماح لهم بممارسة حقهم الطفولي الأعظم المتمثل بالتعليم.
ويبقى السؤال الشاغر الذي يحتاج لخطط ومبررات وإجابات دقيقة ومنسجمة ومختلطة معا، هؤلاء اللاجئين وبحسب اعتقادنا وتجاربنا السابقة من لجوء الشعب الفلسطيني والعراقي وغيرهم من الشعوب للأردن، كم يحتاجون من الوقت ليعودوا لأوطانهم بعد انتهاء الحروب لنتمكن من إغلاق الخطط التكميلية والبديلة او ما يصطلح تسميتها "بالمسائية" التي أعدها وزير التربية في ظل مستويات تعليمية تأسيسية اقرب ما تكون للمنهارة دون أسس أو رقابة لمعلمين يعينون من قبل الديوان بحسب شروط أشبه بالمنهارة لتأسيس قواعد المجتمع الأردني الذي يستثمر البشر لشح وقلة موارده غير ابهين بانظمة وخطط التعليم في ظل الازمات.