معارك الحسكة: أخطر من «حكاية» اشتباك..عابر

لم تكن الاشتباكات التي دارت في مدينة الحسكة السورية، بين قوات الجيش السوري وعناصر الدفاع الوطني الرديفة, ووحدات حماية الشعب الكردية YPG التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD بزعامة صالح مسلم والاسايش الموالية له وهي قوات الأمن الداخلي الكردية التي اقامها مسلّم بعد نجاحه في السيطرة على مناطق مهمة في الشمال السوري بدءاً من القامشلي ولاحقاً تل ابيض وخصوصاً عين العرب/ كوباني، تحدث – الاشتباكات – لأول مرة، بل تواصلت بشكل او آخر لكن عادة ما كان يجري تطويقها والفصل بين المتحاربين ومواصلة «المُساكَنَة» بين الطرفين لحاجة كل منهما الى الآخر، هذه الحاجة التي فرضتها ظروف المعركة المفتوحة ضد الارهاب الداعشي ومن تحالف معها او تخندق في جبهتها مثل احرار الشام والنصرة وخصوصاً الحزب الاسلامي التركستاني (الويغور الصينيين) الذين يشكلون كتيبة الأنغماسيين, وهم الاكثر شراسة في الاقتحام الانتحاري عند الهجوم على الاهداف المطلوبة.

ما علينا..

ما حدث ويحدث ويبدو انه مستمر في الحدوث في الحسكة، سيكون مقدمة لمعركة اكثر خطورة مما يُعتقد حتى الان، بدليل رد الفعل الاميركي، المبالغ فيه ولكن المدروس بعناية, في ظل فيض القوة التي يستشعِرها صالح مسلّم بعد «تحرير» مدينة منبج, وهناك من يتحدث عن صفقة «كبرى» تمت في هذا الشأن, اتخذت طابع «الممر الآمن» الذي تم توفيره لمقاتلي داعش وعائلاتهم, مع مَنْ اتخذوهم دروعاً بشرية، من المدنيين السوريين ويقدر عددهم بالمئات، مقابل خروجهم الى الوجهة التي يريدونها, وهو ما اعترف به الاميركيون الذين كانوا يوفرون لقوات سوريا الديمقراطية (وعمادها الاساس قوات حماية الشعب الكردية) الغطاء الجوي والضربات التي الحقت خسائر فادحة بداعش, الى ان اقتنع الاخير أن خسارته محققة، فجاءت الصفقة المذكورة كي تُنهي معركة منبج ولكن ليس بطريقة عين العرب/ كوباني, التي كانت اختباراً»امريكياً» للقوات الكردية... نجحت فيه، ما ادى لاعتماد واشنطن عليها، حتى لو غضبت تركيا الحليف الاطلسي كما يجب التذكير.

هل قلنا تركيا؟

نعم.. ثمة ما يلفت الانتباه في الموقف السوري الرسمي «الجديد» تجاه قوات حماية الشعب PYD بزعامة صالح مسلّم الذي ما يزال يتواجد ممثلون لحزبه في العاصمة دمشق, وهو اشارة البيان العسكري السوري في شأن اشتباكات الحسكة الى أنها «الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني» (PKK)، وهو الوصف ذاته الذي تُطلقه انقرة على تلك القوات، ما يعني في قراءة اخرى, ان رسالة سوريَّة لافتة قد وجهّت الى تركيا، نحسب أنها ستجد صدى لدى الدوائر الحاكمة وخصوصاً لدى سيد القصر الأبيض اردوغان, الذي يستعد هذا الأسبوع لزيارة طهران بعد ان كان وزير خارجيته جاويش اوغلو قد زارها قبل يومين في شكل سرّي، وسط حديث عن استدارة تركية «مهمة» في المسألة السورية.

واذا كانت واشنطن قد وجدت ذريعة في قيام الطائرات الحربية السورية بضرب مواقع لقوات حماية الشعب والاسايش في مدينة الحسكة, كي تقوم بارسال طائراتها المقاتلة في سماء تلك المدينة السورية، مهددة باسقاط «طائرة» سورية، على ما قال مسؤول في البنتاغون بأنه «اذا ما قام السوريون بذلك مجدداً، فسيكونون في مواجهة خطر فقدان طائرة» معتبرة ان ما قامت به دمشق هو «استهداف غير عادي» لقوات سوريا الديمقراطية التي نقوم بتدريبها على حد زعمها، فان التأمل في رد الفعل الاميركي الغاضب والسريع والمُخطط جيداً ، يشي بأن الادارة الاميركية، تسعى الى القيام (بعمل ما) يأخذ طابعاً دراماتيكياً للرد على التطورات المتلاحقة في الأزمة السورية، والتي وصلت ذروتها بانطلاق قاذفات التوبوليف الاستراتيجية الروسية من قاعدة همدان الايرانية, بكل ما يحمله هذا التطور من احتمالات ورسائل جيواستراتيجية، فضلاً عن عملية «الإنضاج» الجارية لأخذ انقرة الى مربع طهران موسكو، اقله في شأن التأكيد على ان هدف العواصم الثلاث سيكون وضع «وحدة الاراضي السورية» على رأس أولويات أي حلول سياسية, قد تُتاح لها الفرصة للتحقق في المدى المتوسط. وهذا ما سيمنح الاطمئنان الى اردوغان وسيكون الثمن بالطبع وهو ما بدأت أنقرة بدفعه او استيعابه لا فرق ,وهو التخلي عن «فكرة» اطاحة الاسد وأن لا دور له في سوريا «الجديد».

أين من هنا؟

يصعب تجاوز حقيقة الخطة المُتدحرجة التي وضعها صالح مسلم كي يبسط سيطرته على منطقة (روج آفا) التي خلع عليها صفة الحكم الذاتي الموسع, وأقر لها دستوراً خاصاً، ما يستوجب بالتالي فرض اغلبية كردية في تلك المناطق، الأمر الذي تمت ترجمته بعمليات تهجير طالت «المكوِّن» العربي وخصوصاً في منطقة تل ابيض وريفها, فضلاً عما يروج الآن من قيام قوات سوريا الديمقراطية بحرق مكاتب دائرة الأراضي في منبج لاخفاء الملكيات الخاصة بتلك المدينة الحدودية وريفها.

معركة الحسكة تبدو وكأنها «بروفة» لتدخل اميركي «ميداني» قد لا يكون واسعاً, الا انه يهدف الى ارباك الخطة الروسية الايرانية السوريَّة وفتح باب «المساومة» من جديد على حل قد يطول التوصل اليه, قبل معرفة اسم ساكن او ساكنة البيت الأبيض الجديدة, ولكن خصوصاً دون السماح بحسم الأمور «عسكرياً» في حلب, لصالح دمشق, موسكو وطهران.