قراءة في ظلال الدخان 2/2

مشاريع اليوم استكمال لمشاريع الأمس
تحت شعار حماية الأقليات أو تفهم مظلوميتها أو نشر الحرية والديمقراطية أو إزالة دكتاتوريات في المنطقة ودعم السلم العالمي؟! أو محاربة الإرهاب والجماعات التكفيرية في السنوات الأخيرة يتم تنفيذ مشروع تقسيم جديد، بمعنى تقسيم المقسم، وإعادة رسم الخرائط بدم الشعوب وأشلائها، وان كان هناك تدخلات خارجية من جهة دول أو قوى إقليمية، أو عالمية، إلا أن الأنظمة بأجهزة الدولة القطرية الأمنية والعسكرية وبتأييد شعبي نخبوي أو طائفي، وباستعانة بقوى خارجية، في العديد من هذه الدول تخوض معارك ضروس مع غالبية أبناء الشعب، تدمر المدن وتحرقها بما فيها من بشر ببشاعة يخجل منها المتوحش التتري أو الغازي الصليبي أو المستعمر الحديث، حيث يعم دخان الدمار واحتراق جثث الآدميين بالآلاف أطفالا ونساء وشيوخا، عقابا لهذه الشعوب التي أثارتها فظاعات أنظمة وقسوة استبدادها ووحشية فسادها، وبطش الفقر والبطالة وإهدار الحقوق والكرامة فصنعت ربيعا رائعا، جسد أفضل ما فيها قيما وطموحات وإدراكا. إن ما كانت بدايته في رابعة لم ينته بعد في سوريا واليمن والعراق وليبيا وربما غيرها.
إن المشروع الأثير لدى القوى الاستعمارية (الصديق) منها أو غير ذلك، هو التفتيت، وان قوى الثورة المضادة التي ما زالت تحارب طموحات الشعوب، وتعمل على تزييف وعي الأجيال وإنكار حقوقها وسحق قدراتها والقوى الحية المعبرة بصدق عن أمالها المشروعة وتطلعاتها، هي المسؤول الأول عن هذه الجرائم والخراب، وعن تشكل التيارات المتطرفة والقوى غير العاقلة بل المجنونة المنبثقة عنها، وهي بوعي أو بدونه تهيئ لانفجارات قادمة وحرائق اشد أوارا وربما ستنطلق من تحت أقدامها، وان القوى العالمية التي تجاملها الآن لما تتلقاه منها من خدمة ودعم لمشاريعها في المنطقة، والتي تبدو مشتركة، ستتركها لمصيرها أو تنقلب عليها عندما تنضج الشروط ويصبح التغيير أمرا لا بد منه، حيث لا يخلو قطر في المنطقة من وجود مكونات على أسس مختلفة، يمكن خلخلة الثقة فيما بينها، وضرب الانسجام، وزرع الشك والخوف المتبادلين بينها. وهناك أدوات أو عملاء، كما جهلة وأصحاب مصالح صغيرة ومغرر بهم أو مظلومون كثر يسهل توظيف طاقاتهم واستعدادهم في إثارة الفتنة والاضطراب الداخلي.
وفي وطننا
هناك من يطلق العنان لغرائز العداء والتشفي، أو لقواه في التعبير عن حالات مرضية، أو طبيعة مسفه وحاقدة، تتمثل في مواقف فاحشة التطرف، من عقائد الأمة ودينها، والرغبة في استبدال هويتها التكوينية الأصيلة. وإذا كان وجود جماعات إرهابية تتوشح بهوية إسلامية وتنتهج الغلو والتطرف، وتسعف هؤلاء في ممارسة غلو آخر، أو تمنحهم غطاء ومبررا، فإن شعور أو قناعة الكثيرين من أبناء المجتمع، أن الانحياز الرسمي الظاهر في سياسات ومواقف عديدة، لتيارات تخاصم الإسلام نفسه أو تعبر عن كراهيتها له، في الوقت الذي يتبدى فيه الضيق ببعض الدعاة والحركات الإسلامية، بذريعة التضييق على الإسلام السياسي أغرى هؤلاء برفع عقيرتهم، والإعلان عن أحقادهم، وبالتالي الإسهام في توتير الأجواء ويبوسة هشيم الفتنة، ليكون جاهزا للاشتعال لا قدر الله. ولا بد في هذا السياق من تذكير كل من هو بحاجة، أن هذا الدين احد حقائق الكون الخالدة، والفاعل الأول في حياة الأمة، رغم ما كان من كيد أو تآمر خارجي، أو ضعف وتهالك داخلي، وان محاولات الإقصاء والتهميش أو التحدي، ستبقى أحد أسباب التطرف أو الانقسام.
لا يخفى على من يمتلك أوليات التحليل والقدرة على المتابعة والقراءة، وجود عوامل تفريق وتكوينات كبيرة أو فسيفسائية اجتماعية أو عرقية أو مذهبية أو غيرها في أي مجتمع عربي، قد تتوفر أو تصنع عوامل تصادمها واضطراب المجتمع، لرسم خارطة ما على الأرض، وهو ما يشير إليه أو يلح عليه العديد من الكتاب والمفكرين والسياسيين، بل أصبح يمثل هاجسا للكثيرين منهم وقلقا.
وأيا كانت المعالجات أو المواقف من هذه الجهة أو تلك، فإن على المجتمع بكل ما يضم أو يمتلك من تيارات فكرية أو سياسية أو اجتماعية، أو مؤسسات مجتمع مدني، أو أصحاب رأي أو قلم أو تأثير، أن يقفوا جميعا صفا واحدا وان يبذلوا قصارى جهدهم في الحيلولة دون تفاقم مثل هذه الأزمات أو المناوشات الكلامية، فالحرب أولها كلام. ولا بد من انقشاع هكذا دخان بإطفاء جمره وكل ما تحت الرماد بطرق علمية ناجعة وبشراكة الجميع الفاعل.
عندما نطالع الواقع وكيف تم تحضير الهشيم للاشتعال ثم انطلاق الحريق في المحيط والبيئات المجاورة، كما تم الإشارة إليه آنفا، يتأكد خطورة الممارسات وعبثيتها، وكذلك خطورة التراكم مهما كان محدودا. وإذا كان لدينا بعض المضادات الثقافية أو السياسية أو الخبرات الإدارية والأمنية، فإن ما يجري في المحيط الذي نحن من نسيجه الثقافي والاجتماعي والحضاري، يستهلك من رصيدنا هذا، بالانفعال والعدوى ويعزز الطاقة المجتمعية السلبية الدفينة.
وإذا كان كل العقلاء والغيورين على معتقداتهم والمعتزين بهويتهم يدينون الإساءة لأصغر المقدسات، فإنهم بجب أن يتابوا على الاستدراج إلى فخ المهاترات أو ردود الأفعال التي تخرج عن المعقول وتنحدر إلى مستوى تهديد الحياة، ومن ثم امن المجتمع، والعلاقات الأخوية والمحترمة بين أبنائه، إذ إن هذا يغدو تزويدا للنار بالوقود، ولمطحنة المؤامرة بالحب. أنها مسؤولية كل أبناء الوطن، والنهوض بها يقتضي فيضا من الجدية والوعي والعقلانية.