تقرير استخباري اميركي

نشرت جريدة الراي يوم 10/ 8/ 2016 اجزاء مختصرة من تقرير استخباري امريكي مطول عن تنظيم داعش, وقد استغرب التقرير التصريحات العراقية عن استئصال التنظيم قبل نهاية 2016 في الوقت الذي تعرضت فيه داعش, كما يقول التقرير, الى حرب من ستين بلداً , وبواقع 14 الف ضربة جوية, ولا زال يتناسل ويتمدد الى ليبيا وبوكو حرام في نيجيريا, واليمن, وسيناء واوروبا.


يقول التقرير « ليست داعش كومة من الاسلحة فقط, تقصفها بالصواريخ الحارقة فتقضي عليها, بل هي مزيج كيميائي مركب من عناصر ثلاثة, تفاعلت مع بعض في عملية انصهار متكاملة لتشكل الظاهرة الغريبة التي نراها. واول تلك العناصر هم العراقيون السنة الذين تعرضوا منذ 2003 ومن حكومة بغداد الى الفصل من وظائفهم, ومنع المشاريع التنموية عن مناطقهم, وتهميشهم سياسياً, ومطاردة المشتبه بهم الى درجة اعتقال شقيقات الفارين وزوجاتهم في سجون البصرة النائية, حتى يقوم المطلوب بتسليم نفسه.

وقد ارادت تراكمات الحقد والثأر لدى السنة العراقيين ان تجد تعبيراً لها, فوجدته في تنظيم داعش الذي اصدر الفتاوى بقتل من يخالفه مذهبياً.

ويقول التقرير ان العنصر الكيميائي الثاني من مكونات تنظيم داعش هو مجموعة الافكار والمعتقدات والقناعات التي تشكل الوعاء الايديولوجي للتنظيم, والتي تتفاعل مع الشباب لتجعل منهم قنبلة موقوتة تتفجر وقتما يريد صاحب السمع والطاعة في قيادة الامارة, وهذا الوعاء الايديولوجي لا ينهزم امام الطائرات او الصواريخ او الدبابات, بل بحاجة الى فكر ايديولوجي مضاد, يقرع الحجة بالحجة, والراي بالراي, ولم تقم المرجعيات السنية في القاهرة او تونس او باكستان حتى الآن باعداد كتاب واحد يفند افكار داعش ويدحض استشهاداتهم القرانية او السلفية باستثناء المرجعية في ايران التي اصدرت ثلاثة كتيبات في هذا الصدد.

ويقول التقرير ان تجهيز الردود الفكرية على تنظيم داعش لن تكلف اكثر من مليوني دولار نشراً وتاليفاً وتوزيعاً , بينما كانت تكلفة الطلعات الجوية على العراق (9514) طلعةً, وعلى سوريا (47879) طلعة بما يقارب 11,9 مليون دولارٍ حتى الان.

ولئن كانت التجارب قد اوضحت ان لا يـَفـُـلُّ السلاحَ الا سلاحٌ اشد فتكاً, فالايديولوجيا الداعشية بحاجة الى دحضها بايديولوجيا اقوى واصلب, وإلا لتكررت تجربة سويسرا باستخدام السجن والتعذيب والقتل للقضاء على المصلح الديني جون كالفين في اوروبا ولكن اطلت افكاره براسها في الولايات المتحدة الامريكية بعد ذلك لتكون اكبر كنيسة انتشاراً هناك, من خلال تفرعاتها, وتداعيات اتباعها.

يقول التقرير ان القضاء على تنظيم داعش ممكن ومتيسر, ولكن ليس بالقوة المهيمنة , او بالصواريخ و المدفعية والطيران, بل بواسطة مجموعة من التربويين يضعون المناهج الدراسية لصفوف الحضانة والمراحل الاعدادية والابتدائية, من خلال كتب جيدة الاخراج والتنفيذ, تحمل رسالة الحياة لا الموت, وتبين العقيدة الصحيحة للاجيال الناشئة.

ويختتم التقرير الاستخباري الامريكي تحليلاته بتقديم استنتاج خطير ومرعب الا وهو اننا وعلى امتداد السنوات العشر القادمة سيبقى تنظيم داعش امامنا بشكل او بآخر, ويتنقل من منطقة جغرافية الى أخرى, لان بعض القوى الاقليمية تستفيد من وجوده وحركته ومجازره سياسياً ومالياً ونفوذاً وعلى اكثر من صعيد.

خلق « العائدون من افغانستان « العديد من المشاكل في الاردن في التسعينيات من القرن الماضي وذلك على المستوى الامني والاجتماعي, والعقائدي, ولكن تم التغلب على تلك التحديات, ودفع الوطن الثمن باهظاً, ولكن كيف يمكن تهيئة الحاضنات الفكرية لتحييد اخطار «العائدين من داعش « بعد ان تغيرت المنظومة الفكرية لديهم وانقلبت البوصلة العقائدية في قناعاتهم راساً على عقب.؟؟