أستحق لأنك سيدتي.. أستحق الحياة

 

لم يصلوا فلسطين.. لكنهم تواصلوا معها، واشتعلوا بأشواقها.. على أمل أن يصلوها العام المقبل، ويصلوا في أقصاها قبل أن تأتي الذكرى الرابعة والستين لاغتصاب سيدة الدنيا التي كانت تسمى فلسطين، وظلت، وستظل تسمى فلسطين..

وها نحن أولاء نهتف مع محمود درويش في هذه البرهة الزمنية المقدسة: أستحق لأنك سيدتي.. أستحق الحياة!

هتفوا في كل مكان، وفي وقت محدد: نعم لحق العودة، ورفعوا في كل مكان وفي وقت محدد المفاتيح والكواشين، ورفعوا معها التحدي والإصرار، ورفض اللجوء في أي مكان غير فلسطين التاريخية التي ما تزال من بحرها إلى نحرها مطلب الأحرار في كل العالم.

على وقع الثورات العربية، تستعيد فلسطين مركز القلب، ويستعيد الأحرار زمام المبادرة، وتشرق القضية من جديد، ويضيء الحق رغم طول الغياب..

الذين قالوا إن الربيع العربي سيصيب فلسطين وسيورق في هضابها كانوا على حق.. فالمسيرات التي توجهت إلى منطقة الكرامة بالغور الأردني يومي الجمعة والسبت كانت تريد التأكيد على حق العودة، وعلى رفض التوطين، وعلى أن فلسطين ترتبط مع الأردن بشريان واحد، فهي على مرمى دمعة من صرح الجندي المجهول الذي يطل على البلاد، ويستنشق عطرها صباح مساء.

الذين ذهبوا إلى الجسر.. كانوا حالمين، وهل تبدأ الثورة إلا من الحلم..

كانوا يريدون إيصال رسالة إلى العالم أن الحدود والأسلاك الكهربائية الشائكة لا تمنع الحق الذي لا يسقط بالتقادم.

اسمتعت إليهم يغنون أغنيات الحرية والوحدة الوطنية، ويغنون لطريق الانتصارات.

استمعت إلى الكهل الذي اتكأ على مفتاح بيته في فلسطين، وإلى الطفلة التي تنشد لبيارات لم ترها، ولكن علمت عنها من جدها الذي شُرد من يافا وتلفع بالمنافي، وهو في مثل سنها.

استمعت إلى أحرار يهتفون لفلسطين بكل اللغات الحية في العالم، ورأيت علم فلسطين يرفرف في كل الميادين والساحات.

ها هي ذي فلسطين باقية لا تموت ولا تتوارى عن دموع أولئك الذين زرعوها في قلوبهم. فلسطين ما تزال تشعل أغنيات الثورة، وتلهم الثوار.

تابعت المسيرة المليونية في ميدان التحرير بالقاهرة، ورأيت الدمع الحبيس في عيون أبناء الكنانة وهم يهتفون لسيدة الكون فلسطين، تلك التي اعتدنا أن نؤخر التفكير فيها قليلا، إلى ما بعد "أولويات" لم تكن في حقيقتها تمثّل أيّ أولوية.

ولكن، هكذا ودفعة واحدة تعود فلسطين إلى مكانتها الأولى، وتعود إلى الشارع العربي بكل عنفوان وأنفة، فهي لم تكن في أيّ يوم من الأيام قضية قطرية، وإنما عنوان للحرية والوحدة والاتساق مع إنسانية الإنسان الذي يدافع عما تبقى على الأرض من ضمير وعدالة.

في الخامس عشر من أيار (مايو) من العام المقبل، ربما لن تمر الذكرى بألم كبير، فالمفاجآت تحدث على الدوام، وأعظم الانتصارات والفتوحات في جميع المجالات ولدتْ من خيال خصب مجازف، ولكنه سيكون خيالا مثابرا على الإبداع.

سننتظر الذكرى المقبلة للنكبة، بأمل كبير في أن يكون الربيع العربي قد ملأ مناطق كثيرة بياسمينه، ومسح عن خد فلسطين دمعات نازفة منذ عقود. فلعلّ العام المقبل يحمل على جناحه المنتظر احتفالا بمذاق مختلف.

سنحلم بأن العالم سيكون أجمل في العام المقبل.

"إيه في أمل" هكذا تقول فيروز.. وهكذا يؤكد زمن الربيع.

وسوف نعدّد مع العاشق الأبدي محمود درويش جميع ما يستحق الحياة على هذه الأرض، وأولها سيدة الأرض.. فلسطين.