منزلٌ .. باسم دائما

 

 

منذ ان دلفناه لاول مرة ابان التحضير لاخراج صحيفة «اخر خبر» والرائحة عالقة في الروح والقلب، وصوت العمة ام باسم وهي توصينا بالحبيب باسم «اخوكم» كما قالت تلك الصابرة الطاهرة يومها, ام باسم ورفيقة روح ابراهيم وجسده، وحاملة بوحه وهمومه ونزقه، قبل ان ينتقل الى وجه ربه مرحوما بإذن الله.

 

شقتان في عمارة على ناصية رابية الحسين، الاسم الاغلى والاحلى، شقة ابراهيم سكجها، وهي كل ما خرج به المرحوم ابراهيم بعد رحلة مع المتاعب ومهنتها طوال عقود خمسة ويزيد، وبعدها شقة باسم وعائلته، وتلك الرصاصة الغادرة التي استقرت في برندة المنزل كانت تستهدف دون شك احد زملاء الحرف الذين لطالما سهروا على حواف زجاجها، اختلفوا واحتدم النقاش بينهم، قبل ان تصل مقلوبة ام باسم او ينجز باسم مهمة العشاء للفريق، او يعود ابراهيم الحفيد والحبيب حاملا الشوايا على حد تعبير الخال عبدالله العتوم، وتلك مرحلة متأخرة نسبيا.

 

باسم سكجها، ليس عذبا فحسب ولا قلما مرهفا ويفيض، بل حامل صهوة قلم وحامل نار روح لم تعرف الراحة يوما وما نامت الا على فراش من قلق، صديق كل الاجيال وان حفظ جيل التسعينيات للعزيز باسم ودّا خالصا، فهو الاقرب والاكرم مهنية وغيرها.

 

منزل باسم يتعرض لرصاصات جبن ازعم انها لم تؤثر في باسم وعائلته كثيرا، فهي عائلة ترافقت مع القلق منذ ان خطت يد المرحوم ابراهيم اول حروفها «بسرعة»، فورث باسم السرعة والحرف ونزاهة المهنة وشرفها ولم يتدنس حبره يوما، ورغم سواده -اي الحبر- ظل ناصعا من غير سوء.

 

منزل ابراهيم سكجها وبعد ان حارب على جبهة الحرف من يافا الى القدس واستقر في عمان، يتلقى رصاصات غدر في عاصمة كلها امن، وكل ناسها طيبة وقيسوم وزعتر، فمن يا ترى لوّث فجر الرابية وقضّ مضجعها وهي ترقب صباحا تعودته منذ تأسيسها على نبل الوظيفة، فهي كانت اول اسكان للموظفين الذين تربى على يديهم كل الاجيال اللاحقة وهم اول الطهر والنبل واول الارث الجميل للادارة الاردنية التي راحت تعلّم كل المحيط فن الادارة ونزاهة الوظيفة بدون لاب توب وبالقلم الكوبيا لمن يتذكره.

 

قريبا من منزل باسم او على حد تعبير الحبيب الراحل محمود درويش على بعد قبلة منه، ثمة منزل العم ابو خالد «محمد السقاف» او الضمير الذي يمشي على قدمين وقطعا سمع العزيز صوت طلقات وجفل قلبه لان منزل ابراهيم سكجها قد اصابه طيش غدر وجبن ليل، وسمع سكان المنطقة رصاصات الغدر تمزّق فجر الرابية، دون ان يتخيلوا ان المستهدف منزل ابراهيم سكجها وولده باسم.

 

في منزل باسم ارث طويل من الصبر وارث اطول من كيد اعدائه، وشجاعة لا تلامس حوافها جبن من اطلق الرصاص على منزل باسم، وهو العاشق لعمان بطهر والجالس في دبين على نبل والمحب للاردن وترابه بصوفية ونسك.

 

منزل باسم مجرد شقة لكنه قلعة من قلاع الحرف والمحبة ولا يستطيع رصاص جبن اختراقها.

 

سلام على روح ابراهيم والسلامة للاسرة وللحبيب باسم.