"المركزي" أكثر استقلالية

ثمة بنود مختلفة في القانون الجديد المعدل للبنك المركزي، لسنة 2016، تعزز من استقلالية البنك وتحصّن أداءه. بيد أن أهم هذه البنود ذلك المتعلق بسياسة سعر الصرف؛ إذ نيطت بمجلس إدارة "المركزي" الذي بات يضم في عضويته ستة أعضاء، بدلا من مجلس الوزراء.
أهمية ربط سعر الصرف بالبنك المركزي فقط، دون أي جهة أخرى، تتمثل في أن ذلك يحيّد تأثير غير المختصين، وغير المقدِّرين لحساسية التفكير بسياسة الصرف كسبيل سهل لحل مشكلة المالية العامة، وبالتالي تناسي الثمن القاسي الذي تدفعه دول من مثل هكذا قرارات اعتباطية. ومن ثم، فإن بقاء سعر الصرف بيد الخبراء وحدهم، بعيداً عن تدخل حتى رؤساء الحكومات ووزراء الفريق الاقتصادي في قضية كبيرة الحساسية لدى الأردنيين، يعني جعل مصير الدينار أكثر أمناً.
أما بشكل أوسع، فإن التعديلات عموماً المدخلة على القانون، تجعل الأردن أقرب إلى المعايير الدولية في عمل البنوك المركزية، وهو أمر محمود. فهي إضافة إلى تعزيز استقلالية قرار "المركزي" الأردني، ونتيجة لذلك، تعزز الاستقرار النقدي بشكل عام، وتقوي الاستقرار المالي للمؤسسات التابعة للبنك.
فمثلا، يحدد القانون الجديد الصلاحيات بشأن مسألة أخرى طالما تسببت بإشكالية في إدارة السلطة النقدية والمالية، وهي المتعلقة بـ"السحب على المكشوف"؛ فتمّ إلغاء هذا الأمر تماماً في القانون الجديد. والمعنى أن محافظ البنك قيد صلاحياته بما يكبح جماح الحكومة بالسحب من "المركزي"، كما يحمي ويحقق أيضا الاستقرار النقدي.
من ناحية أخرى، ثمة نقطة لطالما كانت مثار جدل بين البنوك والخبراء و"المركزي"، وهي الخاصة بإلغاء بند "الاحتياطي الإلزامي" للبنوك؛ أي المبالغ التي تقتطعها البنوك من الودائع لضمان استقرارها. إذ كانت المطالب بإلغاء هذا الاحتياطي بالكامل، وتحرير الأموال لاستثمارها، وفي ذلك تراخ شديد.
وبموجب التعديل الجديد، أُلغي البند الذي كان موجوداً سابقاً، ويفرض أن يتراوح الاحتياطي النقدي بين 5 % وصولا إلى 35 %. لكن في المقابل، بات تحديد نسبة هذا الاحتياطي من صلاحيات "المركزي"، بحسب تقديره للموقف، وبما يحمي المؤسسات المصرفية حتى من نفسها، لضمان عدم تكرار أزمات في البنوك. وبذلك أُبقي الباب مفتوحا لضبط إيقاع بنوك قد تعاني من مشكلات، فيما يُفتح الباب لبنوك أخرى لاستثمار هذا الاحتياطي إن لم تستدعِ الظروف فرضه عليها.
كل هذه الصلاحيات والتطورات الإيجابية في القانون الجديد مهمة، وكانت تحتاج لتستوي تحصين محافظ "المركزي" ومجلس إدارة البنك أكثر، من خلال تعديل آلية تعيينهم وقبول استقالتهم. وفعلاً، أصبح قرار التعيين وقبول الاستقالة لكل من المحافظ، رئيس مجلس الإدارة، وبقية الأعضاء، بقرار من مجلس الوزراء، على أن يقترن بالإرادة الملكية. 
وربما نحتاج إلى تحصين أكبر مستقبلا، بحيث يربط تعيين وعزل محافظ البنك بجلالة الملك مباشرة، من دون أي طرف آخر. 
من المتوقع أن لا يعجب كثير من البنوك قانون "المركزي" الجديد، لأن التعديلات التي تضمنها تشدد الرقابة عليها. لكن هذا هو الدور الطبيعي لـ"المركزي" كمنظم. كما لا يلغي ذلك كل ما قام به البنك خلال السنوات الماضية على صعوبتها، لتحفيز الاستثمار في قطاعات مختلفة، منها الطاقة المتجددة والسياحة وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال نوافذ تمويلية متعددة. والغاية أن لا يتخلى عن دور رئيس له يتمثل في المساهمة في تحقيق النمو والتنمية.