انتخاب النخبة

تنظر الشعوب عادة الى الفئة المؤهلة فكرياً من ابنائها باعتبارها النخبة المؤثرة القادرة على إحداث تأثير ايجابي كبير في حياتها، وباعتبار أن التأثير الفكري أهم مؤثر في الرأي العام والعلاقات داخل المجتمع، والأقدر على تطوير الثقافة السائدة فيه، علاوة على أن الفئات المهيمنة سياسياً أو اقتصادياً، قابلة للتغير والتبدل حسب الظروف، وتظل بحاجة إلى إطار فكري، يوجه دفتها في قيادة الرأي العام لكي تتمكن من الوصول إلى التغيير الثقافي المطلوب، والذي ينعكس على الانتاج والتنمية بصورة مفيدة وملموسة.


يحتاج المجتمع إلى النخبة بحكم ما لديها من قدرات قيادية، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع حالة من الانفصام الاجتماعي، بين النخبة والأغلبية،عندما تفقد الأولى القدرة على التأثير في الثانية، ومن ثم تفقدها القدرة على بلورة أفكار خلاقة للإصلاح،وبما أن «التفكير» و»التأثير» و«التغيير» حلقات متكاملة في عملية الإصلاح، فان عدم انجازها بشكل متكامل، يحدث الانفصام في حياة المجتمع، فالنخبة غير قادرة على التأثير، والأغلبية لا تجد من تتأثر به أو تقتدي. وهذه الأغلبية «الصامتة» ليس لديها ما يمكنها من إتمام عملية الإصلاح والتطوير المنشودين، في حين يتوافر لدى النخبة الإمكانيات اللازمة فكريا أو سياسيا أو إداريا أو اقتصاديا، ولكنها لا تقدر على التأثير في الآخرين.

وها هو مجتمعنا الأردني،يدخل مرحلة جديدة من بوابة الانتخابات النيابية ومن تحت قبة البرلمان،وفيه أنواع من النخب، منها ما هو مؤثر ومنها ما هو غير مؤثر.اذ أن منها ما هو بعيد الأفق وعميق التفكير، ولكن أفكاره لا تصلح للتطبيق العملي،ويستمر الحال على خطئه والممارسات على هواها،ومن هذه النخب من سخر نخبويته لجني المكاسب الشخصية عن طريق الشعبية، ومنها من يطرح أفكارا تظهر عجز السلطة، أية سلطة، ويبرز عيوب المسؤول أي مسؤول،ولا يفهم منها عند العامة، إلا أنها حب بالتشهير بالآخرين، ومنها عكس سابقتها، اعتادت الإشادة بالمسؤول، ولو كان على خطأ، أو يسعى لمآرب شخصية. وهناك نوع من النخب طرح الأفكار وسعى الى تكوين رأي عام، يؤمن بالإصلاح والعمل القويم، ولكن أقواله وجهوده لم تعكس شيئا ذا بال على صعيد الوطن.مثل هذه النخبة لا يعول عليها لقيادة التغيير وإدارة الإصلاح، على مستوى الوعي العام والتجاوب الشعبي، وبالتالي لا نجد النخبة التي تملك إرادة التغيير، كما لا نجد الأكثرية التي تملك حرية الاختيار.

أبسط هذا الحال،والأردن على أبواب انتخابات نيابية، من المفترض أن تنتقى فيها تلك النخبة التي تمثل الشعب كله على مستوى المملكة،وقد أوكلت إليها وظيفتين هامتين أساسيتين: «التشريع» و«الرقابة». فلنفكر في ما اعددنا لهذه التظاهرة الديمقراطية الكبرى، التي حرصت القيادة والشعب عليها،فمن النائب الذي نريده؟ومن المواطن الذي من الأفضل أن يترشح؟ومن المترشح الذي من الأفضل أن ينتخب؟فكلمة المواطن تحدد المواصفات والمقاييس، التي تطبق على الانتخابات ويتشكل منها المجلس النيابي.

أن تجاربنا الانتخابية على مختلف المستويات، وفي طليعتها التجربة الانتخابية لمجلس النواب، تؤشر على أن الاختيار الواقعي يبنى على تحقيق مكاسب شخصية، والبحث عن الشخص الأقدر على مساندة المواطنين في تحقيقها،غير أن من كتب لهم النجاح لم يستطيعوا أن يوفوا بجميع وعودهم أوأهملوها وأخضعوها للتسويف والمواربة، فانقلب المواطنون ضدهم،فواجهوا حالة عدم الثقة من المنتخبين والقاعدة الشعبية في دوائرهم، نجم عنها هبوب موجات من الانتقاد، أو التشكيك والمقاطعة والهجوم.

ان غاية ما يرجوه المواطن ان لا تبقى المصلحة العامة التي قامت الانتخابات والبرلمان من أجلها، غائبة عن الأذهان والأفعال،وان يتم تقييم المترشح أو النائب على أساس قدرته على صون المصلحة العامة ورعايتها.