العشيرة تنتخب

أهداني الصديق «زيد فايز الطراونه» نسخة من مذكرات جده المرحوم «أحمد الطراونه» التي صدرت في كتاب بعنوان «رحلتي مع الأردن» و من ثم أعيد طباعتها في طبعة منقحة فيما بعد.


في الكتاب، يروي «أحمد الطراونه» القاضي و النائب و الوزير و العين و عضو هيئة النيابة على العرش كيفية دخوله معترك السياسة عبر الترشح للبرلمان نائباً عن الكرك، عندما شجعه الملك عبدالله الأول و قد لفت الطراونه انتباه الملك خلال أكثر من مناسبة بجرأته و ثقافته و شخصيته المميزة كقاضٍ و مثقفٍ على خوض الانتخابات البرلمانية، و يذكر الكتاب كيف أن الملك وجه كلامه لأحمد الطراونه بوجود المرحوم «حسين باشا الطراونه» أثناء احدى مناسبات السلام على الملك طالباً من «حسين باشا» دعم القاضي الشاب الذي يمتلئ اندفاعاً لخدمة الوطن فيرد حسين باشا بأن «أحمد» من خيرة شباب العشيرة و الكرك و سيكون له كل الدعم إن رغب بأن يمثل الكرك في البرلمان.

الطراونه فاز في الانتخابات بزخم العشيرة التي اختارت شخصية فذة كان لها فيما بعد شأناً كبيراً في تاريخ الأردن.

مناسبة الحديث، هو اقحام العشائر في الانتخابات البرلمانية دون اتاحة الفرصة للعشائر التي تمثل بنية رئيسة في الأردن من أن تُمارس دوراً حضارياً و وطنياً و ديمقراطياً تدفع من خلاله باتجاه برلمان قوي يضم نخبة النخبة بدلاً من أن يكون ضحية للاختيارات الخاطئة لمرشحين فرضوا أنفسهم على عشائرهم و هم لا يملكون لا الكفاءة و لا المعرفة السياسية أو التشريعية لاقتحام البرلمان و الحياة السياسية لينتهي بهم المطاف نياماً تحت القبة أو متغيبين عن معظم جلسات البرلمان.

كم يبعث على الاحباط رؤية صور المترشحين وهم يلصقون الكتف بالكتف معلنين اجتماعهم في كتلة رغم أن ما يجمعهم لا يزيد عن تمثيل مناطقي أو عشائري لجمع أكبر عدد من الأصوات، لا برامج و لا توجهات سياسية!

حتى السيدة التي غالباً ما تكون جزءاً من هذه الصورة المحبطة كممثلة للكوتا تظهر و كأنها جاءت للأمر مدفوعة إما من زوج أو من أقارب بمبرر أن «الكوتا» أسهل من تُترك لقمة طرية لغيرها، رغم أنها في أغلب الأحيان لا تملك أدنى المقومات لدخول معترك السياسة و التشريع.

أنا لا أكتب لانتقد الاجماعات العشائرية كمبدأ فالأردن لازال بعيداً عن تجربة انتخابات برامجية ليس للمناطقية و العشائرية بها دور، لكن لا يمكن القبول بدور ضعيف للعشيرة بمبرر الاجماع و التزكية لينتهي الأمر بطرح مرشح يذهب للبرلمان من أجل اقتناء سيارة حديثة نمرتها حمراء و راتب جزل يمكنه من إقامة الولائم للمسؤولين ووضع صور الوليمة على المواقع الالكترونية أو من أجل اصطناع المشاجرات و التهجم على زملائه.

برلمان ضعيف يعني وطن ضعيف، و العشيرة عندما تنتخب أما أن تقدم للوطن الشخص الصحيح أو تعتزل مهمة الاجماع العشائري حتى لا تجرح الوطن.

كل العشائر فيها من قد يكتب عنه التاريخ كما كتب عن «أحمد الطراونه» فلماذا تُمنح الفرصة لمن هم لا يستحقون و قد يؤذون الوطن، بسبب هؤلاء يعتكف الأكفياء ليحفظون ماء وجههم.

يا سادة، الوطن بات لا يحتمل الاختيارات الخاطئة، الوطن لم يعد يحتمل برلماناً ضعيفاً، «لكن أسمعت اذا ناديت حياً»!