ماذا صنع الإرهاب بفرنسا والفرنسيين؟

«فرنسا في حالة حرب، لا يمكن وصف هذه الحرب بصراع الحضارات، كما يروّج لها المثقّفون والمنظِّرون. كلّ هذا كلام فارغ. إنها حرب ضد تنظيم «داعش»، والبربرية التي يمثّلها»، يـــقول النائب الجمهوري الفرنسي كلود غواسكان. ويضيف: «داعش تنظيم بربري لا يمثّل الإسلام، ولا المسلمين، ولا حتى الإسلاميين. والحرب على «داعش» شقّان: شقّ عسكري، وآخر اقتـــصادي. لسنا في وارد تقييم أداء جيشنا وما يقوم به من تضحيات خارج الحدود الفرنسية. أنا أتحدث عـــن الشقّ الاقتصادي، وهو أساس قيام دولة داعش المزعومة: في أيّ بنوك أودِعت الحسابات المصرفية الخاصّة بداعش ومسؤوليه؟ لماذا لا تُجمّد هذه الحسابات والتحويلات؟ إلى أين يذهب النفط الذي يهرّبه داعش عبر تركيا؟ من يشتريه؟ وبأيّ ثمن؟ لماذا يعجز الغرب عن وقف تدفّق النفط من الموصل الى حيث يذهب، ونحن نعلم أن مداخيل هذا النفط تموّل إرهاب «داعش»؟».

 

 

هذه الأسئلة التي طرحها النائب غواسكان في إحدى المناظرات التلفزيونية، باتت اليوم حديث الشارع الفرنسي، بعد الضربات الإرهابية التي شهدتها فرنسا أخيراً، بدءاً بتفجيرات باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ووصولاً الى عملية نيس الإرهابية وحادثة قتل كاهن ثمانيني في النورماندي.

 

 

يشعر الفرنسيون اليوم بأنهم ضحايا خيانتين: خيانة المجتمع الدولي الذي يقول أنه يحارب الإرهاب، لكنه فعلياً متآمر بصمت معه، والحكومة الفرنسية هنا متورّطة بخبث ديبلوماسي ماكر. وخيانة الفرنسي الإرهابي منفّذ العملية، ذاك الذي ولد في فرنسا، وحمل جنسيتها، وترعرع في أحيائها، ودخل مدارسها المجانية، واستغلّ قوانينها الاجتماعية والصحيّة الرحيمة، واستفاد من نضال نقاباتها دفاعاً عن حقوقه الإنسانية والمهنية، ثم انقلب بين ليلة وضحاها، الى ناقم منتقم، قاتل مأجور تحرّكه جهات خارجية. إنها خيانة أهل البيت الواحد التي لا تُغتفر، خصوصاً أن أسبابها للفرنسيين غير مفهومة. لماذا يخون فرنسيّ فرنسا؟

 

 

من لا يعرف العصبية الفرنسية، لا يستطيـــع أن يفهــــم غضــب الفرنسيين على هـــــذا الفرنسي الإرهابي الخائن. فالفـــرنسيّ، على العموم، متعصّب للغته الأم، متعصّب لجيشه ودولته وسياحته الداخلية وصناعاته، حتى أنه متعصّب للزبدة والجبنة المنتجَتين في فرنسا... لم يشجع فريقاً رياضياً غير فريق فرنسا، مهما هَزُلَ أداؤه. من هنا يأتي رفض الفرنسيين أيّ أسباب تخفيفية في محاكمة الإرهابيين الفرنسيين الخونة قضائياً وإعلامياً وشعبياً. في مدينة نيس، وضعت البلدية براميل النفايات في المكان الذي قضى فيه منفّذ العملية الإرهابية، في خطوة تشير الى احتقار ميْتته. كذلك اتفقت وسائل الإعلام الفرنسية ذات الجمهور العالمي، مثل «فرانس ٢٤» وراديو «مونتي كارلو الدولية» وغيرهما، على عدم نشر صور منفّذي الاعتداءات الإرهابية أو بثّها على قنواتها ومواقعها الإلكترونية والرقمية تفادياً لنشر أيّ دعاية للإرهابيين.

 

 

«لن يجرّنا الإرهاب الذي يضرب اليوم، الى حروب دينية جديدة كانت أغرقت أوروبا وفرنسا بالدماء والانقسامات لقرون مضت. بالنسبة إلينا، الإرهابيّ همجيّ لا ينتمي الى أيّ دين. كلّ الأديان بريئة منه»، يقول صديق فرنسي. ويخلص الى أن «الثورة الفرنسية كرّست مبادئ الحرية والمساواة والأخوّة، والمسيرة الى بناء دولة علمانية ديموقراطية كانت شاقّة وطويلة جداً، ولا عودة منها الى الاصطفافات العنصرية الضيّقة على أساس اللون أو الدين أو الجذور مهما حصل».