لا يحترمون القانون !

تتجلى أخطر حالات عدم احترام القانون حين تكون منظمة، ويشارك بها مجموعة من الناس، يقتنعون بأنهم فوق القانون، ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم، وبعضهم ينجح فعلا في الهروب من الملاحقة القانونية لأخطاء وجرائم ارتكبها بحق الأفراد والمجتمع والدولة..
حين تجتمع مجموعة من الناس لتنفيذ مظاهرة أو اعتصام أو إضراب، وتعتدي على حقوق الآخرين أو على الممتلكات العامة، فهذا نوع من الجرائم، التي قد تمر دون حساب، بسبب الحشد الجماهيري، الذي تقدر الدولة عدم ملاحقته لأسباب سياسية وإعلامية كبرى، خصوصا حين يكون تجمع الناس عفويا ولا تخطيط مسبق لديهم للاعتداء على الممتلكات العامة..
لكن ماذا نقول حين تجتمع مجموعة أخرى وترفع شعار مطالبات فيها كل التجاوز على حقوق الآخرين، ثم تذعن لهم الحكومات؟
لو قامت مجموعة من الناس بحماية شخص مجرم، أو فاسد مثلا، ومنعت أجهزة الأمن من الوصول اليه لتوديعه إلى القضاء، فماذا يمكننا أن نقول عن مثل هذا الموقف، هل نعتبره أمرا يمكن السكوت عنه من قبل الدولة والاعلام والنخبة والمواطنين؟
المشكلة تكمن في التمييز بين الناس، سواء أكان تمييزا بالحقوق او الواجبات، ويكون التمييز أخطر ما يكون على الدول والمجتمعات حين يتم برعاية الحكومات، ليتطور فيما بعد لتعم الفوضى في الدول فتنهار وتؤول إلى دمار.
ماذا نقول حين يصمت القانون وتختفي أذرعه، ويتم إغلاق العيون عن التجاوزات التي يقوم بها مسؤول في القطاع العام؟ لو قام أحد المسؤولين باتخاذ قرار مجحف وظالم بحق موظف أو مواطن، أو مجموعة منهم، ثم ثبت قضائيا أن القرار كان خاطئا، وأعاد الحقوق لأصحابها، فهل يمكن قبول صمت الحكومات عن مثل هؤلاء المسؤولين؟ وإن صمتت الحكومات هل من الطبيعي أن يصمت الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والمعارضات السياسية؟
الظلم ظلمات؛ هكذا نقول، لكننا لا ندرك قتامتها ولا نكتشف خطورتها إلا حين نسقط فيها، وأكثر ما يفقد الناس الأمن يتعلق بالنظرة المزدوجة التي تنظر بها الحكومات وبعض المسؤولين فيها إلى مرتكبي التجاوزات او منتهكي الحقوق، ويتجلى السخط على الحكومات حين تتجاوز عن أخطاء إدارية يسقط فيها بعض المسؤولين
المسؤول الذي يقرر قرارا يثبت عدم ادراكه للوضع العام، سواء أكان سياسيا ام اجتماعيا ام اقتصاديا أم غيره، هذا المسؤول هو من يجب أن تتم معاقبته، بل وتغليظ العقوبة عليه وفصله من العمل العام أو إبعاده عن موقع القرار والخدمة العامة.
لا تخلو وسائل اعلامنا من خبر يومي متعلق بمثل هذه الأخطاء الإدارية والتجاوزات، كما لا تخلو من أخبار العنف والمشاجرات، ويجب أن تكون الدولة حاضرة وحاسمة في قراراتها ومواقفها، وتطبقها على جميع الناس، وأي تقصير من قبل الموظف العام وفيه وشاية عن تقاعس أو تمييز او استغلال للموقع الوظيفي، أو فيه غباء وعدم كفاءة، يجب ان تقف عنده الحكومات وتتعامل معه على أنه أخطر من ردود الأفعال التي يقوم بها الناس الذين وقعت بحقهم الحماقات من قبل موظفين حكوميين.
الحكومة هي المطلوب منها أن تعدل بين الناس، وتحفظ حقوقهم وتحقق أمنهم الشامل، وفي الدول التي تحترم سيادة القانون يكون هم الحكومات هو العدالة بين الناس وتحقيق الراحة والرفاه والأمن لهم، وفي هذا تتنافس القوى السياسية لتطبيق برامجها التي تزعم بأنها الأكثر قربا من مصلحة المواطن والوطن..
كلنا ننتظر ما ستسفر عن الانتخابات القادمة، التي ستشرق على الأردن من بعدها شمس جديدة، وتنطلق مرحلة سياسية جديدة، لا مجال فيها للتمييز بين الناس أو الصمت عن المسؤولين الذين تكون ممارساتهم سببا في فقدان ثقة الناس بدولتها وسلطاتها جميعا..
لدينا الكثير لنقوله بعد هذه الانتخابات، وهو ما يجب أن يتهيأ الناس له وأن يشاركوا في صنع مستقبلهم، لا أن يتركوا الأمر لمسؤولين غير أكفياء أو ضعيفين أو طارئين ..
كله بده يمشي تحت القانون شباب وأي صمت عن القافزين عنه سيكون مدعاة للناس بأن يقفزوا عن الصامتين وعن الحكومات التي تحميهم وتصمت عنهم.