في بحر الإنتخابات

شهر ونصف يفصلنا عن يوم الإقتراع لإخراج المجلس النيابي 18 وما زال الغموض يلف ماهية الإنتخاب على صعيد الناخبين والمترشحين. وهذا يعد أولى إخفاقات هيئة الإنتخاب كثيرة الحركة وقليلة الفائدة.

لم يتم التوضيح للناس كيفية الإقتراع وآليات التكتل في قوائم لكي تنار الطريق أمام الجميع ولمساعدة الناخبين لانتخاب الأفضل. المترشحون بدأوا جولاتهم التسويقية وعندما تسألهم لتوضيح أمر تجدهم ما زالوا يجهلون الآليات والأدوات التي عند توضيحها تتضح رؤى ناخبيهم. أغلبهم يفيد "لنرى هيئة الإنتخاب شو بدها تسوي".

إجابة تدل على غموض متعمد وتخبط مع ضيق الوقت تقود لخلق مناخ من التلاعب وصناعة مجلس نواب يرضي الدولة ويكون عونا لها لتنفيذ وتمرير وإقرار ما سيكون تمهيدا وتوليفا للمرحلة القادمة التي لا نتفاءل بها.

من الواضح وضوح الشمس الإقبال الضعيف وضعف الإهتمام والحماس تجاه العملية الإنتخابية برمتها وذلك يعود لأسباب عدة منها:

1. الثقة المفقودة بالحكومات جراء القرارات المهلكة للشعب من خلال التجربة المريرة.

2. إعتراف الدولة عن طريق مدير مخابرات سابق بتعيين 80 نائبا.

3. المدة القصيرة التي تفصل حل المجلس 17 عن يوم الإقتراع.

4. الغموض الذي يسيطر على آليات وحيثيات الإنتخاب حيث الغالبية تجهل ما يتوجب عليها القيام به.

5. الكثير من المترشحين يقع في حيرة ويجد صعوبة بالإنضمام لقائمة وذلك في غياب الوضوح أو القراءة غير السليمة للخارطة الإنتخابية.

6. وكما قال السيد مروان المعشر على قناة JoSat وهو وزير خارجية وسفير سابق وتقلد مناصب عديدة أنه لا يضمن عدم تدخل الأجهزة الأمنية واستشهد باعتراف الدولة بالتدخل سابقا.

7. شمول من أعمارهم سبعة عشر عاما وثلاثة أشهر إلا دليل ناصع لقناعة الحكومة أن الإقبال سيكون بالتأكيد ضعيفا جدا، لذا لجأت لهذه الخطوة "لبياض الوجه" أمام نفسها وأمام المراقبين العالميين ولتغطية التدني المتوقع. وهي خطوة أدركها الأردني الواعي مما زاد من عدم اكتراثه بالإنتخاب والتصويت.

التأكيد الدائم والمتكرر على النزاهة من قبل رئيس الهيئة اليساري والمعارض والمناكف للدولة قبل أن يغنم بمنصب وزير، دفع بالناخبين أن يضيفوا سببا وجيها آخر لعدم حماستهم أو لإحجامهم أو لمقاطعتهم لانتخابات يرون بها سبة عليهم لن تؤخر ولن تقدم.

من الخطأ والظلم أن يدمج لواءين ربما هما أكبر لواءين في المملكة لواء الرمثا مع لواء بني كنانة ولهما 4 مقاعد. عشيرة العبابنة بجزئها المتواجد جغرافيا في القصفة والخريبة في لواء بني كنانة كان يقترع مع قصبة اربد المتواجد بها الجزء المكمل للعشيرة في بشرى وسال والمغير وحوارة. أما الآن فصل جزء بني كنانة عن القصبة وسيقترع قسرا ودون دراسة من المعنيين مع لواء الرمثا ومع لواء بني كنانة حيث مرشحوه وزخمه الإنتخابي وقواعده التصويتية في القصبة. وهذا يضعف فرص المترشح إذ اعتماده على مجموع أصوات عشيرته متحدة وليست منقسمة قسريا.

تقسيم غير قائم على العدل وتحقيق مصالح الناس بقدر ما يلبي تطلعات الدولة التي همها تفصيل مجلس نيابي طيع لا يعارض ولا يصوت على ثقة بل يصادق دون عناء على ما ترغب به الحكومات فاقدة الثقة.

والأمر كذلك، باتت هناك قناعة لدى الناس بحتمية صناعة مجلس لإسناد الحكومة لا يختلف عن سابقه. المخرج من هذا التأزيم ياتي من خلال التوجه الجاد بنسج خيوط الثقة بين المواطنين وأجهزة الدولة بمراجعة القوانين والقرارات التي أجحفت بحق المواطن ونالت من كرامته وإنسانيته.

نسمع كثيرا من الجهات الرسمية أن التصويت حق وواجب وطني وهو كلام حق يراد منه تخدير الناخبين للمضي خلف الدولة. طالما هو حق وبالوقت نفسه واجب، أليس من حق المواطن أن يكون له رأي بالمقابل بآلية الإنتخاب وقانون الإنتخاب الذي يرى به تحقيق حقه وطموحه؟؟

عندما تبتكر الدولة القوانين وتفرض ما بصالحها وتجبر المواطن على الإنصياع دون أن يبدي رأيه كإنسان، فذلك يعني بقاء التغول على المواطن وتهميشه من خلال قوانين يباركها مجلس نواب يأتي بتوليف وإعداد من الدولة.
أما نتائج كل هذه التعرجات والتحايلات ستطفو على الساحة الأردنية لاحقا وتتمثل برأيي المتواضع نقمة على المجلس ليصبح الصدام بين المجلس والمواطنين والدولة تتفرج متذرعة بأن ها هو مجلسكم الذي أفرزتموه وهؤلاء ممثلوكم. وهو ما حصل بزمن المجلس 17 وحكومة النسور سيئي الذكر.

أي سلطة إن لم تتحرى العدل والصدق، مصيرها للزوال والتاريخ والأحداث في المنطقة تثبت قولنا هذا. فكونوا صادقين لا منافقين وكونوا معطائين لا آخذين حتى نثق بكم وتستقيم الأمور لنتجاوز العراقيل ونبني وننتج ونحافظ على استقرارنا ورفعة وطننا.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.