احتيال إلكتروني

رغم أن "الإيميل” أصبح مثل "غرفة الخزين” في البيت، نادراً ما ندخله، في وجود وسائل التراسل الأكثر حداثة.
لكن الظاهرة الغريبة التي يعانيها كثيرون الآن، هي رسائل النصب والاحتيال الإلكترونيّ، التي تكتظ بها صناديق بريدنا، وهي معاناة حقيقيّة فعلا، رغم طرافة ما تتضمنه أحياناً! فكثيرا ما تلقيت في بريدي الإلكترونيّ رسائل غريبة وطريفة، وأخرى كثيرة لا تستحق الذكر !
ولا أعرف سرّ كثرة هذه الرسائل بشكل مبالغ فيه، في الأسابيع الأخيرة، وربما ارتبط ذلك بتداعيات الأزمات الإنسانية العالميّة، واستثمار ذيولها وكواليسها، لتمرير عمليات الاحتيال والدجل المعولم.
فخلال 36 ساعة فقط كان في بريدي الإلكترونيّ أكثر من 90 رسالة من أكثر من عشر دول، يطالبني أصحابها بلهجات تراوحت بين الإغراء والتمني والتذلل والاستعطاف، بأن أشارك في مشاريع تجاريّة ضخمة، بإرسال رقم حسابي ورقم هاتفي الشخصيّ، لأصير بقدرة قادر "شريكا استراتيجيّاً”،ومساهماً كبيراً في مشروع ناجح، أو للدقة، كان يحتاج مشاركتي ليصير ناجحاً.
أما العجوز عائشة أبو بكر(لاحظوا الدهاء في اختيار الاسم لغايات التأثير في السّذج) فتقول: إن عمرها 59 سنة، وهي مزارعة من أبيدجان، تركها زوجها الذي كان مديرا للإنتاج في مصنع للزيوت النباتيّة تعيل طفلين، بعد أن توفي في حادث سير، وتطلب المساعدة، وتعد بأن ترد هذه الأموال مع أرباحها في أقرب وقت على رقم حسابي !
البعض الآخر، مثل سولي موسى، يحاول أن يتذاكى عليك، فيقول في رسالته: إنه لن يخبرك بحكايته المؤثرة، إلا إذا أثبت له أنك ستكون أهلاً لثقته، وأرسلت له رقم هاتفك الشخصيّ ورقم الفاكس، وهكذا تصير أنت، ببساطة، من يحتاجه ويطالبه بإلحاح أن يثق فيك ويقول لك حكايته، التي تنتهي حتماً بطلب معونة طارئة سيردها لك فورا وخلال أسابيع !
البعض الذي يحاول أن يكون أكثر تذاكياً من الجميع، يبدأ رسالته لك بالقول: أعرف أنك تلقيت عشرات الرسائل المشابهة قبل رسالتي هذه، ولكن صدقني أن الحاجة هي فقط التي دعتني أن أضع نفسي في هذا المقام مع هؤلاء الذين يرسلون مثل هذه الرسائل، تخيّل.. (هو يقول لك: تخيل)! 
وأنت مطالب طبعاً أن تكون على قدر من السذاجة يكفي لأن تتخيل، وأن تتساءل بعد ذلك، ما الذي اضطر رجلا محترما مثله(!!) أن يفعل مثل هؤلاء، وأن يضع نفسه في هذا الموقف المحرج؟ فتسارع إلى بيتك، تتفقد ما بحوزتك من نقود كنت رفعتها لإيجار البيت وأقساط المدارس، وترسلها فوراً لهذا الأخ المفاجئ الذي رُزقت به وأنت في الأربعينيات من عمرك!
ومن طريف الرسائل، أيضاً، تلك التي تصلك تحت عنوان (مبروك)، ببنط كبير، وبلهجة احتفاليّة، يقول لك مرسلها: إنك فزت بمليون دولار، في مسابقة كذا، وما عليك إلا أن ترسل المعلومات التالية... ولضيق الوقت لا تستطيع متابعة كل هذه الرسائل وفهم حكاياتها، وإلا لكنت كتبت عنها الكثير، واستثمرت طرائفها في قصص كثيرة، أو كنت على الأقل فهمت: كيف أصبحت أنا العبد الفقير لله مليونيرا أكثر من سبع مرات في شهر واحد؟ وتحديدا في  الشهر الذي أرجع لي فيه البنك شيك إيجار البيت، لأنه بلا رصيد !
لكن الجميل أيضاً في هؤلاء الأقارب، والأصدقاء، الذين يولدون لك فجأة، أنهم إنسانيون، عاطفيون، حميمون، يبدأون الرسالة بالسؤال بكل جديّة واهتمام، عن العائلة والأولاد، ويشعرونك أنهم قلقون على أولادك، ويكاد أحدهم أن يستحلفك بالسلام عليهم وتقبيلهم واحداً واحداً....