الانتخابات الأردنية "من تحت لفوق"
في أجواء الاستعداد والتأهب للانتخابات النيابية المقررة الشهر المقبل، أصدر الزميل والصديق أحمد أبو خليل كتابا شيقا حمل اسم "الموشّح في مسالك الناخب والمرشح". وهو عبارة عن دراسة أنثروبولوجية للحراك الانتخابي الأولي، والمتمثل في الاجتماعات العشائرية، أو ما يسميها أبو خليل بالانتخابات الأولية، وكيفية فرز الناخبين لمرشحيهم.
أبو خليل باحث اقتصادي مهتم بمسائل الفقر والفقراء، متخصص في علم الأنثروبولوجيا، وفي الوقت ذاته كاتب ساخر، عملت بصحبته لسنوات في صحيفة "العرب اليوم".
كتاب أبو خليل الذي صدر حديثا عن "داره"، وأقصد بداره المعنى الحرفي للكلمة "منزل أحمد أبوخليل"، ليس صفاً للكلام، ولا تنظيرا جامدا اعتدنا عليه في الدراسات، بل خلاصة دراسة ميدانية لثلاثة مواسم انتخابية "2003 و2007 و2013"، زار خلالها أبو خليل جميع المحافظات الأردنية، وحضر عشرات الاجتماعات الانتخابية والإجماعات العشائرية، ورصد عن قرب تفاصيل الحراك الانتخابي على المستويات المحلية والروابط العائلية والمناطقية.
مزج بين خبرة الأنثروبولوجي والكاتب الساخر، لتقديم فهم مختلف للانتخابات بوصفها ممارسة سياسية في الأساس، وطرق المجتمع المبتكرة في تطويع مختلف القوانين الانتخابية لصالح الثقافة الاجتماعية السائدة والمهيمنة.
وبخلاف الدراسات والأبحاث والأوراق النقاشية، التي تعالج قضايا الانتخابات على المستوى الفوقي والنخبوي السياسي، حرص أبو خليل على "تحسس" الحراك الانتخابي وتلمسه من "تحت لفوق".
يتكون الكتاب من ثلاثة فصول. الأول بعنوان "القول الفصيح في الترسيب والتنجيح". والثاني "المال السياسي وسخ أيادي سياسي". والثالث "بعض الكلام الوقور لا يضر".
وفي كل فصل يغوص أبو خليل عميقا في تحليل سلوك الناخبين والمرشحين، وتفكيك الظواهر المرافقة للنشاط الانتخابي، والمصطلحات الدالة في الثقافة الشعبية. ويبحث في الروابط المحركة للترشح والانتخاب؛ "علم الأنساب في حسن الانتخاب"، "جماعة الدولة ودولة الجماعة"، "المرشح الذي أريد: أسمر ونحيف"، "الحكومة وجه وقفا"، "البرلمانية أعلى مراحل العشائرية"، "ظاهرة شباب العشيرة"، وسواها من التعبيرات الحاضرة في مواسم الانتخابات؛ أصلها وفصلها، وظروف تشكلها.
في باب المال السياسي، يتوقف الكاتب عند ظاهرة "خصخصة التزوير الانتخابي"، ليشير إلى قصة نجاح حقيقية للشراكة بين القطاعين العام والخاص والتي شهدتها انتخابات سابقة، تولت إدارتها "مؤسسة تشجيع الاستنخاب"، والتي طورت برنامج "النافذة التزويرية الواحدة".
ويضيف أبوخليل: "اليوم وبعد أن نضجت التجربة وأصبح القطاع السياسي الخاص قادرا على قيادة مشروع التزوير بمفرده، انسحب القطاع العام من خط إنتاج التزوير".
وتحت عنوان فرعي "ناخبان والثالث مجانا"، يسلط الضوء على ظاهرة التسجيل الجماعي للانتخابات. وهي الخطوة التي لم تعد قائمة حاليا. أما تحت عنوان "جاب النيابة بفلوسه"، فيشرح أبوخليل الشروط التي ينبغي توفرها عند الراغبين بالترشح للنيابة "شبعان" أو "مليان". ويرصد أمثلة لمرشحين أقسموا خلال اجتماعات عشائرية بأنهم سيتبرعون بكامل رواتبهم من النيابة. وعن هؤلاء يذكر أبو خليل بالوصف الشعبي الساخر عنهم "راتب النيابة مش معبي عينه".
بعد التمتع في رصد الانتخابات "من تحت" في الفصلين الأول والثاني، يختم الكتاب في فصله الثالث بخلاصات واستنتاجات "من فوق" لمعاني ودلالات ما يحصل "تحت"، وتأثيرها على مجمل الصورة العامة في البلاد والحياة البرلمانية والسياسية، وما تفرزه من ظواهر.
المنخرطون في الشأن الانتخابي من مرشحين وناخبين ومسؤولين، لا يكادون في غمرة انشغالهم يستطيعون تفسير ما يحدث معهم؛ أبو خليل يمنحهم في هذا الكتاب فرصة التمتع بفهم طبيعة سلوكهم ودوافعه.
مطالعة الكتاب بالنسبة لهؤلاء أشبه بزيارة عيادة طبيب نفسي، لنرى صورتنا على حقيقتها.
بقي أن أشير إلى أن الكتاب سيكون متوفرا في مكتبات وسط البلد. ويمكن طلبه مجانا من الكاتب مباشرة، والعرض يشمل أجور التوصيل.