تدمير الهوية تلك كانت على يد منظمة التحرير الفلسطينية التي انشأت في ظروف غامضة

 


 

أخبار البلد- د. محمد احمد جميعان -ستنطلق مسيرة العودة يوم 15/5 وهي بادرة معبرة وقوية لرفض التوطين والوطن البديل والتمسك بحق العودة وتحرير فلسطين، ولكنها لن تكون مؤثرة ما لم تكن في اطار بناء بل اعادة بناء للهوية النضالية للشعب الفلسطيني في وجدان اهلها بشكل عملي منظم بانتفاضة ثالثة عارمة ، لانها تعرضت للتآمر من اجل تدميرها في نفوس ابنائها في مواطن الشتات على وجه الخصوص .

 

لقد جرت محاولات قليلة لاعادة بناء الهوية النضالية تلك، ولكنها اجهضت في بداياتها ، وكانت المحاولة الاكبر علي يد حركة المقاومة الاسلامية حماس لاقت تجاوب الشارع لدى فلسطينييي الخارج ، ولكنها واجهت عقبات العدوان الاسرائيلي وذوي القربى وتآمرهم والحصار ومصائبه وتهمة التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة، واضطرت حماس معها الى وقف اندفاعها، انتظارا لتبدل الظروف الاقليمية والدولية ، وقد تبدلت الان ، ولكن على فلسطينيي الشتات اخذ الزمام ودعم كل جهود احياء الهوية النضالية للشعب الفلسطيني، وعمق هذه المسيرة وريادية فكرتها وزخم التجاوب معها يجب ان يكون الانطلاقة الحقيقية لاعادة بناء هذه الهوية المقدسة...

 

 علما ان بدايات تدمير الهوية تلك كانت على يد منظمة التحرير الفلسطينية التي انشأت في ظروف غامضة وهي محل دراسات واراء مختلفة، يتحدث اغلبها بانها ساهمت بشكل كبير في تدمير الهوية النضالية للشعب الفلسطيني في الشتات حين حولت نضالها تجاه اسرائيل الى معارك مع الانظمة وعلى الساحات التي استضافتها ومنها الساحة الاردنية التي يتواجد على اراضيها جل اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ، وانتهت مهمتها بالغاء جزءا من ميثاقها الذي ينص على تحرير كامل التراب الفلسطيني واعتماد خيار المقاومة من اجل تحريرها وذلك عقب اتفاقيات اوسلو المشؤومة.

 

لقد استخدمت اساليب مدروسة وممنهجة لتدمير قداسة الهوية النضالية لفلسطينيي الشتات ،  تعمد من خلالها اذرع وابواق واقلام ووجهاء ومؤثرين بدعم وتوجيه من جهات دولية واقليمية وفلسطينية وصهيونية في استخدام مختلف الاساليب لتدمير هذه الهوية في النفوس، خدمة لانفسهم اولا وخدمة للمشروع الصهيوني في افراغ فلسطين من سكانها واحكام السيطرة على الارض وتوطين فلسطيني الشتات في اماكن اقامتهم من خلال قوالب شيطانية في ظاهرها الرحمه وفي باطنها العذاب ، فضلا وللاسف الشديد قيام بعض الشرفاء بتبني مثل هكذا طروحات جهلا في مقاصدها احيانا واجتهادات خاطئة في احيانا اخرى خدمة لهم ولقضيتهم.

 

فاستخدمت الاموال على اوجها واصبحت البرجوازية الفلسطينية مضرب المثل في حجم ارصدتها واعدادها، واصبحت عنوان للفهلوة والشطارة بعيدا عن فلسطين وهويتها النضالية ، وفتح التجنس والتجنيس لمن يريد وما عليك الا تقديم الطلب وطي صفحة فلسطين لتصبح مواطنا كامل الحقوق والواجبات، لتغدق الالقاب والمناصب والازياء والاسترضاء، وحدث ولا حرج ..

 

 وحتى تتطوى الهوية النضالية لفلسطينيي الشتات في النفوس وتقتل تماما وتطبع بشكل محكم، استحدثت واستخدمت مفاهيم في ظاهرها الحقوق والمكتسبات وفي باطنها التوطين الناعم المتسلل آنيا والمتفجر مستقبلا ، من حملة الحقوق الناقصة ، ومصطلحات المواطنة والوحدة الوطنية والاصول والمنابت، والحان الولاء والانتماء للدولة المضيفة والطعن بكل من يعلن ولائه لفلسطين او قياداتها المناضلة ، وسوالف الاقليمية والعنصرية والتفرقة وسيل من سوالف لا اشك انها مقصودة بشكل او بآخر من اجل نسيان فلسطين وطيها من ذاكرة اهلها ، وتوطينهم غصبا ودون اراداتهم بهذه الاساليب الايحائية، وايجاد وطن بديل يقنعهم بان الحياة خبز وبطون ومناصب والقاب وازياء، وان مواجع العزة والكرامة والانفة والفطرة والحنين تجاه ارض الاباء والاجداد ما هي الا تاريخ ذهب عليكم نسيانة وحصر تفكيركم في المغانم والمكاسب ولو على حساب فلسطين، وكلها تهدف الى اسكات الصوت الفلسطيني ،واخراس لسانه، واطفاء فيه وهج المقاومة والتحرير والوطنيه تجاه تحرير ارضه وعرضه في فلسطين، ولتبقى بعد ذلك ومع ذلك وبكل تلك المفاهيم النار تحت الرماد تفتح عند الحاجة لخدمة مصالح الفساد والفاسدين، وقد راينا وسمعنا من نائب وقف  في مؤسسة تشريعية ليعيب على اهله وناخبيه حراكهم ويطالبهم ( في سياق تهكمي ) التوجه للجسر للتظاهر هناك ..؟!


               
وهنا السؤال للشرفاء اصحاب القضية المقدسة الذين لم تعمى بصيرتهم، لمصلحة من يحدث تفريغ الاراضي الفلسطينية؟ وما هي الدوافع وراء ذلك التفريغ والتجنيس؟ أليس هذا منسجما ومتوافقا تماما مع عملية التوطين، وطرد الفلسطينيين وتهجيرهم من ارضهم، أليس هذا متوافقا مع طرح يهودية الدولة الاسرائيلية التي تنادي بها الصهيونية وعتاتها امثال رؤوبين ريفلين رئيس الكنسيت الاسرائيلي؟ الا يستحق هذا الفعل مطالبة سريعة باجراء عملي لوقف مسلسل التوطين وتفريغ الارض المحتلة من اهلها؟!

 

ولنرى فقط ما دعا اليه رئيس ‘الكنيست’، رؤوبين ريفلين المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية لإزالة كافّة مخيّمات اللاجئين من الدول المضيفة والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، لما يشكّله ‘حق العودة’ من ‘تهديد على الوجود الإسرائيلي في المنطقة’. في اجتماع عقد بتاريخ 13-9-2010، لأعضاء حزب ‘الليكود’ الحاكم، حيث قال ‘طالما ظلّ الفلسطينيون يستخدمون اللاجئين كأداة سياسية فلن يتم التوصل إلى سلام.. إن حق العودة يشكّل تهديداً وجودياً على دولة (إسرائيل)..؟

 

ومن هنا فان العودة إلى فلسطين (وليس حق العودة فقط) هي الوحيدة التي تقلق (إسرائيل) وما سواها قابل للقسمة والتنازل، لأن عودة الفلسطينيين إلى وطنهم نهاية (إسرائيل) ديمغرافياً وسياسياً بل وعملياً، لذلك فإن (إسرائيل) والصهيونية ومن يدور في فلكهما، مستعدة أن تدفع مليارات المليارات من الدولارات لمن يساعدها في توطين الفلسطينيين في الشتات، بل ومستعدة أن تحرق كل عملائها من أجل دعم التوطين والوطن البديل، وأكثر من ذلك مستعدة أن تستخدم كل مقدس ومصطلح مقدس وكل رذيلة وانحطاط وإفساد من أجل هذه الغاية، فالغاية تبرر الوسيلة، ولا غرابة أن تجد العالم المغرر أغلبه وتابعيه من المتخاذلين وجامعي المال وطلاب المناصب والألقاب أن يلتم شملهم ويقفوا على أهبة الاستعداد مشمرين عن سواعدهم ومكشرين عن أنيابهم من أجل دعم التوطين والمحاصصة والتجنيس وسحق كل من يقف أمام طموحاتهم..

 

فلسطين ليست الاندلس مع تمسكنا بكل ارض عربية او حكمها العرب، فهي مهد الحضارات وارض المقدسات واولى القبلتين تهفو اليها نفوس المسلمين والشرفاء في العالم كله، ومنهم الجزائريون الذين ضحوا بمليون شهيد لتحرير وطنهم فكيف بفلسطين التي هي ارض ابائهم واجدادهم وعزتهم وكرامتهم؟! ومن له وطن كفلسطين، يتغنى به العرب والمسلمون وكل شرفاء العالم، عليه ان يبقى واقفا والبندقية في يده، فاما ان يحررها او يموت دونها.

 

واهل فلسطين ليسوا كأي اصول او منابت اخرى، بل هم شعب طرد من ارضه ومسقط رأسه ظلما وقهرا، او هربوا من الاحتلال واوجاعه، والشريف عندما يطرد او يهرب في حلقه غصة وفي قلبه ثورة وفي كيانه ناموس، لا يهدأ له بال ولا ينعم في دنياه الا بطرد المعتدي عليه واعادة وطنه وارضه والعودة اليها بعزة وكرامة، فلا كرامة لنبي الا في ارضه ووطنه، ومن هنا يأتي احترامنا وثناؤنا لقوى المقاومة الحقيقية في فلسطين وانصارها والشرفاء معها لانها تحمل شخصية الشريف الذي في حلقه غصة وفي قلبه ثورة وفي كيانه ناموس لتحرير ارضه والعودة اليها، وبالمقابل هنا يأتي عدم احترامنا الدائم لمن اصبحت البطون والمناصب والمنافع الشخصية والتوريث عنده اثمن من وطنه في فلسطين واقدس من ترابها.

 

لقد اكبرت كثيرا الشرفاء الذين عملوا على مسيرة العودة ، الذين يحضون اهلهم على العودة الى القدس وفلسطين ليكونوا شوكة في خاصرة الاحتلال، وان يكونوا عونا لاهلهم الرازحين تحت نير الاحتلال وليسوا متفرجين على عذاباتهم ليشكلوا شوكة قوية بمقاومة الاحتلال هناك، وقد انزعجت كثيرا وشعرت بالازدراء حين قرأت في بعض المواقع الالكترونية ان هناك سيلا من اصحاب الملذات والبطون اللاهثين دوما قد تهجموا وحاولوا اعاقة مسيرة العودة التي سوف تعيد بناء الهوية النضالية للشعب الفلسطيني ، وقد ذكرني ذلك بسيل الرسائل التي انهالت على الفيس بوك وغوغل لاغلاق موقعي، لاني امعنت الحديث في فلسطين وشرفائها ووقفت في وجه التوطين ، فهل اصبحت البطون والمناصب والمنافع الشخصية والتوريث اثمن من فلسطين واقدس من ترابها؟!

 

وبالرغم من عمق انتماء فلسطينيي الشتات لارضهم وعمق ولائهم الشديد لرموزهم وفصائلهم وبالذات حركة حماس، وهذه حقيقة يجب ان يعرفها القاصي والداني ان حماس ومؤسسها احمد ياسين في قلب كل فلسطيني شريف، الا ان ذلك مسكون ومركون في نفوسهم ولا يعملون على اظهاره وتعميقه وتفعيله عملا ومواقف باتجاه تحرير وطنهم فلسطين.

 

ولا بد من الاقرار بالحقيقة الفطرية والتاريخية ، انه ما لم يلتف الفلسطينيون حول قضيتهم ويعمقوا هويتهم النضالية والمقاومة ويترجمونها عملا وموقفا ، ويعتزوا بفلسطينيتهم دون خوف او وجل او تردد، لن يجدوا من يقف معهم، ولن يجدوا من يحرر لهم ارضهم، ولن يجدوا من يعزهم ويقدم لهم العون الا بالقدر الذي يخدم الانظمة التي تستخدم واقعهم وتواجدهم كالنار تحت الرماد، تشعله وتطمره تبعا لمصالح تلك الانظمة، في اطار نظرية  الاداة التي تستخدم لخلق التوازن في اطار منظومة تقربهم وتستثمرهم احيانا، وتثير عليهم وتزجرهم وتعيبهم احيانا اخرى، وتسترضي بعضهم القليل القليل في اغلب الاحيان ذرا للرماد في العيون وفي اطار مواصفات اهمها التنصل عن فلسطين وضرب ابناء جلدتهم..

 

لقد آن الاوان للثورة الفلسطينينة ، ثورة الشباب والحماسة لاشعال انتفاضة ثالثة عارمة ؛  وذلك بعد ما حدث من تطورات تمثلت في صحوة ثورية شعبية عربية نقية سوف تشكل داعما رئيسا وفاعلا للتحرير ، وبعد ما اشتد عود المقاومة وتعمقت في نفوس رجالها في الداخل ، وبعدما حصلت المصالحة الفلسطينية ، وبعد ما راينا من اثارة للفتنة على قاعدة التواجد الفلسطيني ، وحاجتنا الى اصلاحات لابد ان تكون على اسس واضحة ، لا بد ان يجمع ويجتمع الفلسطينيون في الشتات على هوية نضالية على اسس راسخة يلتف حولها العرب والمسلمون والشرفاء من اجل تحرير فلسطين التي تهفوا اليها نفوس العرب والمسلمين اجمعهم، ولا بد ان يكون الفلسطينيون طليعة الركب وراس الرمح ليسطروا لانفسهم العزة والكرامة ، وليقدموا التضحيات التي قدمتها كل الشعوب التي تحررت وحررت ارضها واصبحت محل احترام وتقدير الجميع .

 

drmjumian@gmail.com

0795849459/خلوي

                www.drjumian.co.cc*

 http://majcenter.maktoobblog.com/