الحياة.. بلا ثقافة وصحافة وكتاب !!

في الطريق الى جبل عمان، رغم الزحام الموسمي الصيفي وبعد المسافة، دفعني ما أحمل من حنين الى الثقافة باتجاه مؤسسة شومان في جبل عمان، لأستمع الى ما سيقوله الكاتب الشاعر المبدع خيري منصور حول المكبوت العربي في الواقع الذي خلقه ما يسمى بالربيع العربي خلال الاعوام الخمسة العجاف، التي اظهرت عجز البديل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفكرياً، وهو المهزوم حتما، لأنه، رغم الدعم الاقليمي والدولي، لا يملك سوى الارهاب والشغف بالموت وتدمير الحضارة الانسانية وكل ما هو جميل في هذه الحياة.

منذ زمن طويل مضى، لم اشارك في ندوة، أو أحضر امسية شعرية او أي نشاط ثقافي آخر، لذلك ما يخيفني، هو ان لا أجد يوما ما اكتب، أو اين أكتب، في خضم السباق مع دقات القلب والعمر، بعدما غافلني الوقت فكبرت خلسة، ولكن دون أن اخسر مبرر الوجود، لأنني أعرف أن الكتابة هي مبرر وجود الكاتب، ولأنني دائما أحن الى الثقافة والصحافة ، وأكره الورقة البيضاء، بل اللون الابيض، حتى لو كان على شكل حمامة أو عصفور أو وردة، لأنه لون خامل بلا توتر.

وصلت الى مؤسسة شومان بعد عناء الزحام ، قادتني خطواتي الخاطئة الى المكتبة العامة التابعة للمؤسسة، فدخلتها تائها، كان المشهد رائعا مدهشا رد لي الروح، واسعدني هذا الحشد من الرواد، لأن معظمه من جيل الشباب ومن الجنسين. ايقنت أن هؤلاء يؤمنون بأن الثقافة والعلم والصحافة من شروط الحياة والحضارة والانسانية، ويؤمنون بان الكلمة هي العقل، وأن القصة والرواية والقصيدة والجريدة والكتاب، هي من عناصر الثقافة التي تشكل هوية الأمة، وتعبر عن الايمان بقوة الحياة، لذلك هي ليست مهنة، فهناك فرق شاسع بين المتعلم والمثقف، واذا كان التعلم وظيفة ومهنة، فالثقافة هوية تعبر عن العلاقة الشعب الارض وتربط بين التاريخ والحضارة.

عندما انتهت المحاضرة، وبقيت صامتا، فشعرت أن صديقي خيري منصور، عبر مضمون حديثه للحضور، ايقظ في صمتي شهية الكلام، واشعل بداخلي شهوة الكتابة عن الثقافة والفكر، وانعش ذاكرتي، وانا المؤمن بأن في البدء كانت الكلمة، أن الصراع على جبهة الثقافة، مكمل للصراع على كل الجبهات.

قلت إن الكلام انعش الذاكرة. والشيء بالشيء يذكر. قبل 17عاما زرت واشنطن بمهمة صحفية، وخلال جولة قصيرة للتعرف على معالم المدينة شاهدت طابورا طويلا على باب مكتبة كبرى في واشنطن، كما شاهدت حشدا في داخلها، ادهشني المشهد، فعلمت أن كل هذا الحشد جاء لشراء الكتب. كذلك اعجبني اسلوب عرض أغلفة الكتب الجديدة على زجاج الواجهة الواسعة.

ما هي قيمة الحياة، وما هو مصير الامم، بلا ثقافة اوصحافة او كتاب ؟

علمت، وقرأت، أن وزير الثقافة الدكتور عادل الطويسي، وهو المثقف العارف والمدرك اهمية الثقافة التي هي من شروط الحياة والحضارة، يحاول، بقدرات الوزارة المتواضعة، تفعيل الحراك الثقافي في الاردن وتقديم كل الدعم للشعراء والادباء والكتاب والفنانين لنشر انتاجهم، واعادة جائزة « التفرغ الادبي « واحياء جائزة عرار بشكل لائق. ويجب ان نعترف التأسيس لثقافة وطنية عملية شاملة متكاملة تبدأ بالاسرة والمدرسة والجامعة قبل المؤسسات الرسمية.

في الختام أقول إن المشهد الذي رأيته في واشنطن، واختزنته ذاكرتي، علني اراه في عمان يوما ما. فانا ما زلت اذكره ، خصوصا عندما ارى طوابير الجائعين على ابواب مطاعم الفول والفلافل والحمص في الصباح ، وعلى ابواب محلات بيع الكنافة في المساء ، أو عند معاناتي خلال المرور في شارع الوجبات السريعة ( شارع المدينة المنورة ). في تلك اللحظة اشعر أن طبقة المثقفين تتآكل تدريجيا مثل الطبقة الوسطى في المجتمع الاستهلاكي .