عن سوريا التي .. «لن» تُقَسَّم!

احتفل كثيرون في العالم العربي خصوصاً، بالتوقعات غير المُستنِدة الى أي وقائع او اسانيد ميدانية، التي خرج بها على الناس مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) جون برينان, وزعمه البائس الذي يستبطن فشلاً اميركياً ذريعاً, بأنه «غير متفائل بشأن مستقبل سوريا، مُرجِّحاً لا فض فوه, بأن سوريا «على الأرجح» لن تعود مُوحَّدة كما كانت.. مرة اخرى».


لم تَرْقَ كلمات الرجل الذي يرأس أكبر وأضخم وكالة تجسس في العالم بميزانيتها الضخمة, التي تكاد تكون اكبر من موازنات «ربع» دول العالم وخصوصاً تلك التي تعيش غالبية شعوبها تحت مستوى خط الفقر ويفتك بها الجوع والأمراض, فضلاً عما تقارفه انظمتها الاستبدادية والبوليسية من تنكيل وقمع وإفقار وفساد ضد «رعاياها», ناهيك عن المساندة والدعم الذي تقدمه لها واشنطن لقاء خدمات, معروف بعضها وجلّها يدخل تحت بند السرّية، وما يُعرف في قواميس الأنظمة البوليسية التي جيء بها عبر انقلابات عسكرية او انتخابات مزورة، أنها تدخل في باب «السيادة الوطنية» والاسرار العسكرية, التي يُحظر البوح بها، ما بالك ان لديها صحافة مُدجّْنة وبرلمانات مخصية وأجهزة أمنية ذات باع طويل في الاغتيالات والتصفيات ونصب أعواد المشانق ضد كل مَنْ يجهر برأي لا ينسجم والتيار العام السائد، ما بالك لو صنّفَ نفسه في خانة «المعارضة» الساعية الى استلام «السلطة» عبر صناديق الاقتراح, وأعلن نبذه العنف ورفضه اي تغيير سلطوي... بالقوة؟

نقول: لم ترقَ تصريحات جون برينان أمام منتدى «إسبن» مؤخراً الى مستوى «النبوءة», بل ان كبير الجواسيس الاميركيين لم يحسم موقفه, وكان حذراً جداً عند اختيار كلماته التي لم يكن توقيتها صدفة، لكن هناك في بلاد العرب على وجه التحديد من اعتبارها نبوءة ترقى الى مستوى القرار الأميركي الذي هو كالقدر، لا راد له (في نظرهم بالطبع) وراحوا بالتالي ينسجون حكايات ويرسمون توقعات ويروِّجون لمشهد جديد كلياً في المنطقة, يبدأ من سوريا التي سينهار نظامها وتكون هزيمة اخرى مدوية لروسيا مستعيدين «المسألة الافغانية»، في قراءة تفوح منها رائحة الغباء والسطحية والجهل العميق, بالتيارات السياسية والدبلوماسية المحمولة على أبعاد عسكرية واخرى جيوسياسية, التي تعصف بالمنطقة وتصل امتداداتها الى عمق المشهد الدولي وبالتحديد عواصم القرار الدولي وعلى رأسها واشنطن, التي تبدو اكثر من غيرها مُرتبِكة وحائرة ومترددة, يكاد المرء ان يقول بحذر شديد, رغم الدلائل والمؤشرات, انها تعي عمق هزيمة مشروعها الاستعماري في المنطقة الذي راهنت على نجاحه منذ خمس سنوات, لكنها لم تحصد سوى الفشل والخيبة وفقدان البوصلة.

ما علينا..

ليس ثمة مبالغة ان الرسالة التي اراد كبير الـ»C.I.A» ارسالها كانت مُوجَّهة الى موسكو, اكثر مما هي موجهة الى دمشق, لأن الاخيرة «تعوَّدت» على مثل هذا الترهات والتوقعات التي لا تعدو كونها بالونات اختبار وضرباً في رمال المنطقة المتحركة, اكثر منها مستندة الى وقائع ميدانية او حقائق تعكسها معادلة التحالفات السياسية والدبلوماسية التي تكرست في المنطقة منذ اندلاع الازمة السورية قبل خمس سنوات ونيف, ولم تعد مسألة إسقاط النظام او إطاحة الرئيس السوري, متداولة او على رأس اولويات جدول الاعمال الاقليمي (دع عنك تبجحات تركيا وادعاءات بعض العرب) ما بالك ان واشنطن وموسكو «تجاوزتا» هذا الاستحقاق غير الواقعي والذي هو بلا رصيد, وانخرطتا في محاولة لإنضاج ظروف ملائمة لحل سياسي ينهض في الاساس على تنفيذ القرار 2254, لكن واشنطن كعادتها راوغت وتراوغ وتلعب بما تبقى لديها من اوراق, اتضح لها,وخصوصاً أن ادارتها على ابواب مغادرة البيت الابيض, انها اوراق بلا ارصدة او قيمة يمكن صرفها في سوق التداول السياسي، وجاء التوتر الاخير مع انقرة ليُلقي بظلال العجز المتصاعد على ادارة اوباما ويتركها نهب توجساتها ومخاوفها, وخصوصا اخفاقها في نيل «رضى» حلفائها حيث يحاول «بعضهم» التمرد او التفلُّت من قبضتها واستغلال تحولها في الشهرين المقبلين الى «بطة عرجاء» لكنهم (البعض العربي والتركي) أعجز من ان يمتلكوا الشجاعة لاعلان العصيان على السيد الاميركي الابيض, الذي يتوفر على اوراق «ضدهم» لن يتردد في استخدامها.. في اللحظة الاخيرة.

في السطر الاخير.... ما يكشف تهافت «المنطق» الذي استندت اليه توقعات جون برينان التي احتفل بها بعض العرب, وافرد لها مساحات واسعة في صحفه وفضائياته ومواقع تواصله الاجتماعي, هو «تأكيده» ان الولايات المتحدة (لا تُطالِب برحيل الاسد فورا، بل بطريقة تُتيح الإبقاء على مؤسسات الدولة السورية حتى يمكنها «اعادة بناء»... البلاد)..

طيِّبْ... اذا كانت مهمتها هو اعادة بناء البلاد، فكيف ستتعرض للتقسيم إذاً او لا تعود مُوحَّدة... كما زعم كبير الجواسيس الاميركيين؟

... مجرد سؤال تنقصه... البراءة.