«المخدوعون».. ضحايا حملات التضليل !

قال صاحبي الكاتب المعروف أنه سيتوقف عن الكتابة حول كل ما يتعلق بالتطورات والمناسبات والثورات والانقلابات والانتصارت المعلنة والحراكات الوهمية ، لأننا أصبحنا ضحايا عملية خداع كونية ، ولأنه اكتشف متاخرا ان « لا الثورات ثورات ، ولا الانقلابات انقلابات ، ولا الربيع ربيع ، ولا المعاهدات معاهدات حقيقية « وكل ما نراه في واقعنا العربي ، ومن حولنا ، هو عبارة عن عمليات تضليل وخداع بصري ، وهذا يعني ان الكتّاب والمفكرين والسياسيين والمواطنين هم « المخدوعون « .


اوافقه الرأي ، لأن الدول الغربية الكبرى لا تحفظ الاسرار ، وتكشف ، بديمقراطيتها الداخلية ، أو لهدف ما ، كل الحقائق ، أو معظم المعلومات ، المتعلقة بقضايا مفصلية عربية واحداث تاريخية اقليمية ، لنكتشف في وقت متأخر ، أننا كنا ضحايا عملية تضليل مدروسة ، وخطة خداع منهجي متقن ، تم تمرير وتنفيذ هذه الخطة تحت غطاء حملة تضليل كاذبة ومفترية ، عبر ماكينة اعلامية جهنمية متوحشة ومدروسة .

هذه الدول الكبرى المعنية ، عبر قدراتها السياسية والاقتصادية والاعلامية والاستخبارية ، قادرة على التلاعب باحلام واهداف الامم والشعوب غير الواعية بمصالها ، كما هي قادرة على اقناع هذه الشعوب بضرورة تغيير اولوياتها ومسارها ، باسم الحرية والديمقراطية واعادة صياغة المستقبل ، وعبر ثورات او انقلابات أو حراكات شعبية ، حتى لو وصل الامر الى مرحلة الانتحار الجمعي ، والتدمير الذاتي وتفكيك الدول وتقسيم الاوطان ، لأن المهم أن يكون التغيير في خدمة مصالح واهداف الدول الكبرى . الحقيقة ان التركيبة النفسية العربية ، واعني افرادا ومجتمعات وقادة رأي ، تدفعنا الى الانجراف العاطفي السريع ، والاندفاع بانحياز وحماس باتجاه هذا الفريق او ذاك ، بحيث نكون فريسة سهلة لكل طامع أو عابر سبيل ، دون أن نقف ونفكّر ونقارن ، لنكتشف اخيرا اننا « المخدوعون « ، لأن الحقيقة في الباطن ، وأن الشيطان يسكن التفاصيل غير المعلنة . نكتشف بعض الحقائق من يوميات ومذكرات القادة ، من سياسيين وعسكريين غربيين ، كان آخرها تقرير البريطاني السير جون تشيلكوت حول غزو العراق واحتلاله ومشاركة بريطانيا في الحرب . هذا التقرير يكشف حقائق كنا نعرفها ، كما تعرفها الحكومات الغربية المعنية ، ولكن الاعلام الغربي تجاهلها ، وشارك في خلق تبريرات «مقنعة « لغزو العراق في حينه ، وشارك في حملة التضليل والكذب والنفاق . اتساءل حول ما الذي سيقدمه التقرير « بعد خراب البصرة» ؟!

التقرير البريطاني اليوم لا ينفع ولا يضر ، فالعراق ما زال في مصيبة ، في الجحيم ، بوجود نظام فاشل وفاسد ، باعتراف العراقيين ، لأن الواقع هو من نتاج الاحتلال ، ومن صناعة دستور بريمر الذي يكرس التقسيم على قاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية . وما يحدث الان في ليبيا واليمن وسوريا ومصر وتونس ولبنان ، هو نتاج التدخل الاجنبي في الشأن العربي الداخلي ، تم عبر خطة معدة باحكام مموهة بشعارات براقة جذابة وهمية مضللة ، سوقها الاعلام الغربي ، بدعم ومساندة ادوات محلية لها اجنداتها ومصالحها واهدافها . حملات الخداع والتضليل لم ولن تتوقف ، وما يحدث في حلب اليوم يؤكد هذه الحقيقية . بعد تقدم الجيش السوري ومحاصرة التنظيمات المسلحة في احياء حلب الشرقية ، ارتفعت الاصوات من كل جهات الغرب حول المساعدات الانسانية ، والمطالبة بهدنة عاجلة ، هدفها المعلن انساني فحسب ، واهدافها الحقيقية هي حماية التنظيمات المسلحة المحاصرة ومساعدتها على عدم الاستسلام . وهنا نتساءل : اين كان « المتحمسون الاوغاد « ، من اصحاب البكاء الالكتروني ، الذين يطالبون بوقف القتال وتقديم المساعدات الانسانية الفورية لاهالي حلب ، عندما كانت المدينة تحت سلطة التنظيمات الارهابية ؟!

الحقيقة اللافتة ان الدول الغربية ما زالت تريد اسقاط النظام وتفكيك الدولة وتقسيم البلاد ، لأن الطائرات الفرنسية التي شاركت في قصف مواقع في سوريا قصفت اهدافا مدنية ، بحيث ينطبق على الرئيس هولاند القول : « من أول غزواته كسر عصاته « . كذلك ارتكبت طائرات التحالف مجزرة أخرى بقصفها هدفا مدنيا ، وكأن طائرات الدول الغربية مصابة بالعمى ، فقدت بوصلتها ، ولم تعد تعرف اهدافها .

والعجيب أكثر ، أن رئيس وكالة المخابرات المركزية الاميركية جون برينان قال في تصريحاته الاخيرة ، بهدف التضليل أيضا ، أنه غير متفائل بالنسبة الى وحدة سوريا ، لأنه لا يعرف اذا كانت سوريا ستعود موحدة ، كما أنه لا يعرف اذا كانت ستخضع لنظام الفدرالية ، أو ان اجزاء منها ستخضع لمجموعات عقائدية !! ولكن الحقيقة أنه يعرف ، على الأقل اهداف الادارة الاميركية ، والتي اعلنها المرشح ترامب في خطابه الاخير حيث وعد بوقف سياسة تغيير الانظمة في الدول الاخرى .