إنضمامنا للخليج ... استقبله البعض بالتهريج !

هذا بالضبط ما حدث لحظة سماع الشعب الأردني بالخبر المهلهل الذي زفه أمين عام مجلس التعاون الخليجي مبديا ترحيب السابق ذكره بانضمام الأردن لمنظومة التعاون الخليجي ، فقد تبادل الأردنيون الحديث عن ارتداء الدشاديش والمحافظ الجلدية التي تقي النقود من مياه الأمطار وسيارات الجيب الضخمة و غيرها من تلك الأطروحات ، وعلى إعتبار ان الأمر هنا مجرد حوارات يتداولها العوام من الناس الا ان الحديث في الصالونات السياسية التي اتسعت رقعتها يختلف كثيرا عن ذلك .

الأسئلة كثيرة جدا حول هذا الأمر الذي جاء بين ليلة وضحاها ولم يكن يدر في خلد احد على الإطلاق ، فالغريب في الأمر أن تتداول وسائل الإعلام الأمر قبل أيام معدودة لتأتي الإشارة بتأكيد الأمر من اجتماع الرياض الأخير الذي عقد لبحث الوضع المتأزم على الساحة العربية ، فلماذا يشار الى الأردن على وجه التحديد بالإنضمام الى دول الخليج في هذا الوقت بالذات ؟ وهل كان مطروحاً قبل ذلك ؟ أي قبل اندلاع الثورات العربية ! .

الأمر من وجهة نظري يتحمل بعديه السياسي في الدرجة الأولى والاقتصادي في المرتبة الثانية  ، فسياسياً على ما يبدو أن الأمر مرتبط بالتحرك الثوري الذي يحدث في بعض الدول العربية وصراع القوى للدول العظمى التي تتباين في مواقفها حسب مصلحتها الخاصة  ( النفوذ الإيراني مثالاً  ) ، فدول الخليج كما نعلم جيداً تعتبر حليف استراتيجي لأمريكا في معظم توجهاتها وتكاد تكون خاضعة لها من جميع المقاييس ، فحرب العراق وتدميره جاء بتعاون كبير من دول الخليج فالكويت مثلاً كانت ممراً سلساً جدا للجيوش التي الصقت بنفسها لقب المحرر  والسعودية ايضاً كذلك تلوح بسيف واحد تمسك به يد النظام الحاكم فيه ويد الحكم في أمريكا ، والثورات العربية الأن تظهر تعاطفاً حسب مصالحهم المعهودة التي أصبحت منذ أكثر من عقدين واضحة وجلية ، فلا أعتقد أن أحدا ينكر أن العرب أصبحوا عربين حسب المسمى السياسي ، فمنهم من يتغنى بأمريكا أو يغازلها والآخر يدعي  إدعاءاً ممانعته ويعتبر نفسه على نهج التحرير كما هو الحال في النظام السوري البائس الهائم على وجهه الذي تدك مدافع دباباته شعبه لمجرد التظاهر ، وقد صمتت دهرا في وجه ارض محتلة تسمى الجولان العربي .

ومن موقعنا نحن فقد كان الاردن في مواقفه منذ حرب الخليج على نقيض تام من تبعية مخجلة كما كان حال الدول الخليجية ، وبغض النظر عن أمور أخرى لا يصرح بها ، الا إننا وقفنا الى جانب حلف صدام في حربه على خصومه المفترضين في ذاك الحين ، والأمر الآن مختلف تماما من ناحية التعاون والشراكة مع الدول العظمى والمتصارعة ، فنحن ألان على وفاق تام مع دول الخليج وأعوانها المقربين ، وبالتالي وقوفنا الى صفها  ( حكومة ) في توجهاتها السياسية الى حد معين ، وهذا مرتبط ارتباطا وثيقاً بالجانب الاقتصادي الذي يأتينا منهم بصورة معينة ، والآن هنالك حلف جديد ظاهر على الساحة الدولية وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد ( الخليج المتعاون ومن سيضم اليه )  يشابه في تشكله طريقة ظهور حلف يغداد في القرن الماضي ، لذلك تشكل التحالف ضد القطب الايراني وأعوانه الممانع حسب قوله للقوى العظمى  ، وهنا أكتفي بالجانب السياسي لأن اللبيب من الإشارة يفهم .

وتعريجاً على البعد الإقتصادي فليعلم كل ساسة الحكم في الخليج بأن الأردنيين على الدوام لم ولن يكونوا يوما متسولين من أحد ، لأننا أصحاب عزة وكبرياء ، وإن كانت تغدق علينا أمريكا ببعض الدراهم  الا أن ريحها تذهب حيث لا نشتهي نحن ، نحن جزء من بلاد الشام منذ خلقنا ولم نكن يوما خليجيين المنشأ والهوى ، على الرغم من محبتنا لكل خليجي حر وأصيل يعتز بعروبته التي انتقص منها بعض ساستهم ، ولسنا ننتظر من محللي  السياسة للأنظمة الحاكمة في الخليج أن يتحدثوا بغير ذلك ، فمن المضحك جدا أن يسمع الأردنيون تحليل المحلل الكويتي عايد المناع المعروف للجميع بدفاعه الشرس عن أمريكا وحاشيتها للحديث حول انضمام الأردن والمغرب لحلف الخليج .

الأمر حقاً مستهجن والى حد معين مرفوض تماماً ، ولن ننتظر حتى يظهر الخط الابيض من الأسود لأننا هرمنا ومللنا من الأهازيج التي نسمعها عبر وسائل الإعلام الحكومية الزائفة ، التي لا تزين هذا فحسب بل هي على استعداد تام لتلميع الشيطان بحد ذاته لو أتيحت لها فرصة ذلك ، وكل ما ذكرته في السابق هو مجرد إشارات ورؤوس أقلام أعتقد أن العارف بالسياسة ودهاليزها سيفهم ميتغاها بشكل جيد ، ولن تفلح المحاولات التي ستستغفل عقولنا كما تريد لأننا أصبحنا الآن نصرخ بالصوت المرتفع لكل حدث نراه في غير صالحنا ولسنا أقل رأيا من النائب الكويتي الذي عقب على الأمر قائلاً : وهو  الناطق باسم "كتلة العمل الشعبي" النائب مسلم البراك، "نرفض انضمام الأردن والمغرب لدول التعاون، لأن المنظومة مرتبطة تاريخيا وجغرافيا ومن يحمي دول الخليج بعد الله شعوبها"، مضيفا "اذا كان هناك أسباب أخرى فلا يجوز فرضها على الشعوب التي يجب أن يؤخذ رأيها، ولذلك سنتقدم مع نواب وكتل بطلب لمناقشة الموضوع في مجلس الأمة".