زيارة المريض،،، مات ناقص عمر
زيارة المريض،،، مات ناقص عمر
أنين المريض،،،وثقافة الموت،،، زيارة المريض واجب إنساني وواجب ديني ولها أثر طيب على المريض إذا كانت الزيارة قصيرة وبدون مخالفات فهي تعد ببعض الأحيان جزءا من العلاج ولكن عندما تتحول زيارة المريض إلى إزعاج وإحباط المريض فهنا نكون قد قتلنا هذا المريض قتلا غير رحيم على الإطلاق وتسببنا بشقائه.
فكانت لي زيارة قبل أيام لإحدى المستشفيات وكنت أقرأ بعض التعليمات والنصائح للزوار بعدم إحضار الطعام للمستشفى خوفاً على صحة المريض وعدم استحضار الأطفال والرضع للمستشفى.
خوفاً على صحة المريض وصحة الزوار ولكن هذه التعليمات وللأسف الشديد لا تشاهد ولا تقرأ من أحد إلا القليل،،،،وبهذه اللحظة الحزينة يدخل السيد (أبو عفاش) الرجل الشهم لزيارة عمه الحبيب والمريض والذي كان مطلوباً للمقبرة منذ سبعة وعشرون عاماً فيدخل أبو عفاش بلباسه العربي الأصيل والذي يغلب عليه السواد ويضع الشماغ الأردني بطريقة الحداد مائلا وملتفاً على رقبته. وبحالة حزن شديد محملاً كل ما يحمل من كل ما لذ وطاب من لحوم و رقاب ومن دجاج مشوي وعلبة توفي اللي منتهية مدة صلاحيتها منذ أزمان من بقاله (كول وادعي علي) ويحمل سيجارة (الهيشة) اللذيذة ذات الرائحة الكريهة،،، ليطرق الباب على عمه الذي كان يحتضر محدثاً أنيناً ونحيباً على عمه الحبيب لتسقط علب العصير على الأرض وبهذه اللحظة المجنونة يصحو عمه على صوت مدوي كالانفجار وعلى وقع إزعاج لا مثيل له من ابن أخيه الحبيب والعنيد فرمى بثقله على عمه المريض مقبلاً ومصمصاً ومتعرقاً لتقبيل وجنتي عمه الحبيب لتسقط الدجاجة المشوية على صدره المتعب وبعد كل هذا التقبيل والتأهيل يقفز على سريره ويبدأ باللعب بالأجهزة الطبية وبالتلفزيون وبكل ما هو موجود بالغرفة وينطق الآن السيد والدكتور أبو عفاش ليحلل حالة عمه الحبيب ويخبره بأنه يعاني فقط من ارتفاع بالضغط وإغلاق تام لجميع الشرايين وسرطان البروستاتة ووجود ثقب بالقلب ووجود ماء على الرئة وبأن وجهه أصفر مثل الليمونة ويعود ليطمئن عمه بأن الحالة تحت السيطرة ومستقرة وسيخرج بعد عدة أيام،،، وأصبح العم المريض والذي يحتضر أكثر تعباً وأكثر أنيناً.
ليعود أبو عفاش ويطمئن عمه بأنه سيخرج لمنزله بعد أيام الذي تم بيعه وأرضه التي قسمت إلى أجزاء تمشياً مع وصيته بعد أن تنازع عليها جميع الأبناء ليبلغه بأن وليده الأكبر بالسجن والأصغر بالمستشفى بحالة حرجة جدا بعد تلقيه ضربه على رأسه من الخلف وأصبح فاقداً للوعي وللذاكرة لغاية هذه اللحظة.
ويعود ليمسح على جبين عمه المتعرق جدا ويطمئنه بان الأمور تحت السيطرة رغم تغيير عفش منزله وزوجته الجديدة تحتفل وتحضر نفسها لزواج مرتقب بعد وفاته فهي بغاية السعادة (القاروطة) لتتمكن من الزواج من ابن عمها بعد الاتفاق معه مسبقاً منتظرة إنهاء فترة العدة الشرعية للزوجة،،،،ويعود أبو عفاش ليطمئن عمه مرة أخرى بأنه سيزوجه الأصبى والأجمل منها بعد خروجه من المستشفى ويقسم بشيبات عمه المتبقية والذي اصفر واحمر وجهه كقوس قزح وارتفع ضغط دمه وأغلقت جميع شرايينه من هذه الأخبار المسمومة فلا وجود لراحة البدن فكلما حاول إغلاق فم ابن أخيه العزيز والعنيد السيد أبو عفاش يقفز مرة أخرى على صدره ليخبره بأخبار جديدة فأصبح العم بحالة يرثى لها لدرجة عدم قدرته على الحراك ولا الكلام مطلقاً فجاء دور إطعامه الدجاج الحار والتوفي اللذيذ ويشربه العصير المغشوش بآن واحد ليتلعثم الرجل (ويفن جر) عيونه وآخر كلماته كانت (حسبي الله عليك يا أبو عفاش ونعم الوكيل) وما زال أبو عفاش يحاول إطعام عمه بقية الدجاجة المشوية،،،،،
ليصرخ الان أبو عفاش عمي عمي عمي ويدوي صوته بممرات المستشفى.
إذا حاب أجيب لك لحمة مشوية لا تتردد،،،،،
عمي عمي عمي عمي،،،،،،،لا حول ولا قوة إلا بالله،،،،،،
شكله الرجل مات ناقص عمر،،،،،،الفاتحة على روحه الطاهرة.
هاشم برجاق
16-10-2010
الموقع الخاص بالكاتب هاشم برجاق