مواجهة ثقافية بالدرجة الأُولى

الصياغة الشعورية للغَرْبِ المعاصر صياغة تاريخية متحدرة العناصر منذ ما قبل «هوميروس» الى ما بعد نيتشه.


وهي فيما انتهت اليه مزيج عجيب من الهلّلينية والتلموديّة والشَّره الاستعماري.

هذه الصياغة تمت واستقرت دلالاتها عبر صراعات متتابعة مع الشرق، قديماً وحديثاً، وهي تعزّزُ كل حين عناصرها الرئيسة وتجدد مبرراتها.

يقول ميشيل فوكو في حفرياته المعرفية إنّ خطاب الغرب مُمتدّ منذ ما قبل طاليس الى ما بعد سوسير.

ونقول ان هذا الخطاب امتزج بالتلمودية امتزاجا انتهى بهما الى ان يكونا «ماهية واحدة»، وان من لا يرى ذلك يصعب عليه تفسير معظم الوقائع الدموية الشرسة التي مُنيت بها البشرية قديماً وحديثاً.

نذكر في هذا المقام خطاب الرئيس الأميركي «أوباما» في القاهرة لأوّل تسلّمه سلطاته، إذ استشهد في سياق كلامه بالإنجيل وبالقرآن وبالتلمود (بدل التوراة) تدليلاً على هذا التماهي الذي نذهب إليه.

ثم ان مما يؤكد هذه «الرؤية» ان «القبالا» اليهودية كما يقول «يورين هابرماز» تمثل مرجعية عليا في كثير من الاكاديميات الغربية، وتوجه العقول الى التماس عناصر هذا التماهي (الهلليني/التلموذي) الذي هيّأ لاسرائيل ان تكون هي صاحبة الكلمة الفصل في السياسة العالمية المعاصرة.

إنه ما من رئيس دولة غربية الا وهو يحسب حساباً للصهيونية، إمّا طوعاً أو كَرْها، فهي القابضة اليوم على أعنّه الدول بما تقبض عليه من أعنّه الاقتصاد والاحتكارات العالمية. وهي تجمع الى نفوذها المعنوي (الاكاديمي، الثقافي، الأدبي - المعرفي بعامة) نفوذ المال الذي برعت في توجيهه في مقاصدها.

مؤدى القول إنّ مواجهتنا لاسرائيل، بما هي قوة احتلال واستعمار استيطاني، متسعة الميادين متكثّرة المضامير، وانها (بسبب التماهي الهلليني/التلموذي) مواجهة ثقافية بالدرجة الأُولى. وان أدل شروط الإعداد الصحيح لها هو دفع أذى هذا التماهي عن عقول أجيالنا الجديدة وأنفسهم، بما يتطلبه ذلك من كوننا نحن - لا غيرنا - من يرسم مناهجنا التعليمية او يوحي برسمها على شرطه ورغائبه.

إن التربية والتعليم والثقافة والآداب، كلُّ أُولئك مُستهدف اليوم حَذَرَ ان يكون للخطاب العروبي الإسلامي حضور فيه. فإن يكن جهد مبارك ميمون، بالغ الأثير محمودُه، فليكن في هذه الميادين، وإن يكن التواصي بالحق والصبر فليكن فيها، وان يكن دفاع عن روح الأُمّة وشخصيتها الحضارية ومستقبل وجودها.. فليكن فيها.