الإعلام والقتل والشهرة

اخبار الاربع والعشرين ساعة لحادث ميونخ الارهابي، تكاد يكون نموذجاً لحالة جنون المصادر الاعلامية في ملاحقة الخبر، والتعليق عليه استباقاً للخبر الرسمي الالماني:


- فقد قيل ان ثلاثة ارهابيين اطلقوا رصاصهم في مول المدينة الرياضية شمال ميونخ، وانتهى الرقم الى واحد، وقد ترتب على ذلك عشرات «الخبراء والمحللين».

- وقيل اول الامر ان ضحايا اطلاق النار كانوا خمسة عشر ضحية وعدداً من الجرحى. ثم قيل خمسة، وحين صدر البيان الرسمي كان العدد سبعة.

- وقيل ان احد الثلاثة الارهابيين مطلقي النار، انتحر حتى لا يعترف بعد اصابته، وثبت انه هو مطلق النار، وانه اصيب برصاص رجال الامن.

هذا نموذج لما يمكن ان يشاهده ويسمعه المتابع لخبر مثير في عطلة نهاية الاسبوع، واذا عرفت عدد محطات التلفزة في المانيا والعالم وكلها تنقل نقلاً مباشراً من.. «مكان الحادث» وعدد الخبراء والمحللين الذين يأخذون ساعات من التعليقات المهزارة التي تستمر ساعات، لان المحطة التلفزيونية لا تريد الغياب عن المشاهد، ولو دقيقة، وتشتيت ذهن الناس عن الحادث: فإذا كان الفاعل ثلاثة فمعنى ذلك انهم خلية ارهابية، وإذا كان واحداً فهو مكلّف من التنظيم الارهابي مباشرة، وهو ما يطلق عليه اسم الذئب المتوحد.

في حادث ميونخ الاخير كان الفاعل المانيا من اصول ايرانية، ولد في المانيا، ولم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، ترى ما الذي دفعه الى هذه الفعلة في بلد ولد فيه، واعطاه العلم والثقافة، ومنحه شرف المواطنة، ولعل والده مثل الكثيرين من الايرانيين الذين هربوا من الحياة في بلدهم، فماذا تعلّم من والده، ومن عائلته؟

في ميونخ يكثر سائقوا التكسي من الجنسيتين الايرانية والتركية وبعض الافغان ولاجئي يوغوسلافيا، فسواقة التكسي مربحة، ويستطيع ممتهنها ان يعمل او يذهب الى الجامعة ويعود الى مقود سيارته متى يشاء، لان التكسي يعمل 24 ساعة متواصلة، فما الذي كان في ذهن فتى الماني الجنسية، ايراني الاصل ليطلق النار على.. الالمان؟

هذه حالة للدراسة، فمرّة اطلق فتى اميركي النار على الرئيس رولاند ريغان لدى نزوله من السيارة واصابه، واصاب سكرتيره الصحفي، وحين سُئل في التحقيق عن السبب الذي دفعه الى هذه الفعلة فاعترف بانه يحب – غيابياً – ممثلة سينما، واراد بهذا العمل ان يلفت نظرها اليه.. لانه بعد اغتيال الرئيس سيكون مشهوراً.. مثلها.

وهذا ما وجده المحققون في اغتيال الرئيس ابراهام لنكولن على يد ممثل فاشل اسمه بوت، ولعله كان يبحث عن الشهرة بهذه الوسيلة، قتل الرئيس.

هؤلاء، الافغاني الذي هجم بالفأس على الناس في محطة القطار، والايراني الذي اطلق النار في مول يتجول فيه آلاف الناس، والمغربي الذي فجر نفسه في محطة قطار في بروكسل.. وغيرهم من مجرمي الارهاب.. هم في المجتمعات التي يعيشون على هامشها ليسوا اكثر من حشرات، ويريدون الخروج من دونيتهم بفظائع تجعل منهم «أبطالاً» حتى في همجية القتل، وهذا لا ينطبق حتى على الداعشيين الذين يقاتلون على ارضهم، ويقنعون انفسهم بانهم يريدون اعادة مجد الخلافة الى عالم الاسلام.

فالداعشيون جنود.. وإن كانوا يتصورون بانهم مجاهدون وليسوا جنود الشرّ.