ماذا عن الجنوب؟



صت إليها أرقام "استحداث فرص العمل" الأحدث، والتي تصدرها دائرة الإحصاءات العامة بشكل دوري؛ لاسيما النتيجة المتمثلة في تركز فرص العمل المستحدثة في المحافظات نفسها التي يتركز فيها تقليدياً النشاط الاقتصادي، فيما بقيت معاناة المحافظات الأخرى على ما هي عليه، هذا إن لم تكن قد زادت حدتها!
واستحداث فرص العمل بشكل عام، كما الأرقام الجديدة، يثير في الواقع مجموعة أسئلة، من أهمها: هل تكفي الفرص المستحدثة لتخفيض نسب البطالة، بحيث تستوعب الجزء الأكبر من الأعداد المتزايدة من خريجي الجامعات الذين يدخلون سوق العمل سنوياً؟ وهل تكفي الوظائف الجديدة لامتصاص التأثير السلبي للجوء السوري على سوق العمل الأردنية؟
ويبقى قائماً، ربما قبل ما سبق، سؤال قدرة الاقتصاد على إحداث التنمية المطلوبة في الأطراف. إذ تُثبت الأرقام والبيانات أن الفجوة بين المركز/ المراكز والأطراف ما تزال واسعة، بحيث ما يزال المهمّش على حاله، هذا إن لم يكن قد تراجع أكثر. إذ بحسب بيانات دائرة الإحصاءات، استحوذت محافظات العاصمة والزرقاء وإربد على حوالي 87 % من فرص العمل التي وفّرها الاقتصاد الأردني في النصف الأول من العام الماضي، وبلغ مجموعها الصافي 17 ألف فرصة عمل؛ إذ "بلغ عدد الوظائف الجديدة حوالي 32 ألف وظيفة، فيما كان عدد الوظائف المفقودة حوالي 14 ألف وظيفة".
وبناء على الرقم الصافي، تبدو واضحة أيضاً الإجابة عن سؤال تخفيض البطالة؛ إذ إن خلق 17 ألف فرصة عمل خلال ستة أشهر لا يكفي بالتأكيد لتشغيل المتعطلين أصلاً، ناهيك عن استيعاب الخريجين الجدد من الشباب الذين تؤكد الدراسات أن الاقتصاد يحتاج إلى 70 ألف فرصة عمل سنويا لاستيعابهم، وإلا فإن مصيرهم الانضمام لطابور المتعطلين أيضاً.
أما عن تأثير اللجوء السوري، وحصول بعض اللاجئين على فرص عمل في قطاعات محلية، فيبدو أن الاقتصاد، ولاسيما إدارة سوق العمل، عاجز أيضا عن تحييد أثرهم على السوق. إضافة إلى أن كل المعونات الدولية لا تساعد في خلق فرص عمل تحدّ من وطأة هذا العامل الحساس على الأردن، أقله تخفيف شعور التنافس الذي بدأ يتشكل عند الأردني حيال السوري، مع ما لذلك من تبعات كبيرة وخطيرة.
للأسف، تفضح أرقام استحداث فرص العمل ضعف خطط تقليص الفجوة بين عمان وباقي المحافظات، وتحديدا الجنوبية منها. فإضافة إلى العاصمة عمان، تحظى إربد والزرقاء بجزء من النشاط الاقتصادي، فيما يبقى الجنوب مهمّشا غائبا عن الخطط، كما تؤكد ذلك الأرقام الحكومية. وإلا، هل لمسؤول أن يشرح لنا ما عدد فرص العمل التي خلقت ما بعد جسر مادبا باتجاه الجنوب؟ كم من شاب وشابة من الطفيلة والكرك ومعان، على سبيل المثال فقط، حالفهما الحظ بإيجاد فرصة عمل خلال الفترة الماضية؟
فسكان الطفيلة، بحسب بيانات "الإحصاءات" الجديدة، حصلوا على حوالي 7 فرص عمل لكل 1000 من السكان، بينما كان هناك تقريباً فرصة عمل واحدة لكل 1000 من سكان محافظتي العاصمة ومعان، مع أخذ الكثافة السكانية بعين الاعتبار. فيما توفر أقل من فرصة عمل واحدة لكل 1000 نسمة من محافظات الكرك والعقبة والبلقاء.
بالنتيجة، فإن ما تقوله الأرقام الصماء هو أن الخطط والبرامج التنموية، كما برامج التصحيح الاقتصادي المتتالية، فشلت في خلق فرص عمل كافية للشباب والعاطلين عن العمل. وتالياً، فإن ما يخطط أو ينظر له المسؤولون يمضي في اتجاه مختلف إن لم يكن مناقضا لاتجاه النتائج الفعلية على الأرض. وليظل -بالنتيجة- كل الحديث عن خلق فرص عمل في المحافظات، ضمن الهدف الأشمل بتحقيق التنمية المتكاملة، هو حديث بعيد جداً عن الواقع.