من أجل قطاع خاص في الأردن أكثر تميزا

تتأثر جميع مؤسسات القطاع الخاص بما يجري حولها من تحولات وتغيرات وتطورات، والتي لا يتوقع لها أن تقف عند حد معين. ونتيجة ذلك أصبحت هذه المؤسسات تتعرض الى مجموعة من التحديات تتمثل في زيادة تحسين جودة الخدمة / السلعة المقدمة، وخفض التكاليف والأسعار، وحروب الأسعار، والتحولات المفاجئة في الأسواق والسياسات. ومن أجل مواجهة هذه التحديات، ينبغي على تلك مؤسسات القطاع الخاص أن تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من القضايا عند وضع خططها الاستراتيجية. 
فعلى صعيد البيئة الخارجية، ومع ظهور موجة العولمة واتساع نطاقها في أواخر سنوات الألفية الثانية، ومع نشوء مؤسسة التجارة العالمية وما ترتب عليها من نتائج، ازدادت حدة التنافسية بين مختلف مؤسسات القطاع الخاص، مترافقا ذلك مع ظهور الفرص، ونشوء التحديات والتهديدات التي شكلت أعباء وضغوطات شديدة على تلك المؤسسات، الأمر الذي بات يفرض عليها ضرورة اتباع طريقة جديدة في التفكير، وانتهاج أسلوب عمل مبتكر لاغتنام تلك الفرص، والأخذ بمدخل متميز لتحييد التهديدات. ومن هذه الضغوطات:
1) التنوع: لم تشهد مؤسسات القطاع الخاص، وعلى امتداد التاريخ، حالة من التنوع كتلك الحالة التي تعيشها اليوم. فبسبب العولمة، وما أحدثته ثورة التكنولوجيا والاتصالات من تقارب بين البلدان والشعوب، ازدادت عناصر التنوع داخل مؤسسات القطاع الخاص من جوانب عديدة. فلم يعد إنتاجها يقتصر على سلعة أو خدمة واحدة، بل تنوعت السلع والخدمات التي تنتجها المؤسسة الواحدة. ولم يعد مؤسسو/ مالكو المؤسسة يتبعون لجنسية واحدة، بل ربما تعددت جنسياتهم ومواطنهم. وداخل المؤسسة الواحدة ازداد التنوع تعقيداً، إذ أصبح العاملون موزعين بين ذكور وإناث، وأعمار مختلفة، ومستويات تعليمية مختلفة، بل وتعدى الأمر ذلك إلى تعدد أعراق وأديان وقيم وعادات العاملين. وعلى صعيد الإنتاج نفسه تعددت مصادر الحصول على المواد الأولية، ولم يعد إنتاج السلعة الواحدة يتم داخل البلد الواحد بل أصبحت الإدارة في مكان، وتصميم المنتج في مكان، والتنفيذ في مكان آخر، فيترافق هذا كله مع تنوع في العادات والثقافات والأخلاق. وبسبب اتفاقية التجارة العالمية وإزالة الحدود والحواجز الجمركية تنوع المستهلكون للسلع والخدمات المنتجة من حيث مواطِن المستهلكين، وأذواقهم، وثقافاتهم. إن مجمل ما ذكر، وغيره، يشكل أحد التحديات التي تواجهها مؤسسات القطاع الخاص، ويجب عليها التعامل معها، وبحيث أصبحت إدارة التنوع من أبرز المشكلات التي يجب على إدارة مؤسسات أعمال القرن الحادي والعشرين التعامل معها.
2) الجودة العالية: ازدادت حدة المنافسة بين مؤسسات القطاع الخاص، وهي مرشحة للازدياد والتصاعد، الأمر الذي أصبح يتيح للمستهلك أكثر من خيار عند اقتنائه السلعة/الخدمة، مما يعني أنه أصبح قادراً اليوم على البحث عن السلعة/ الخدمة عالية الجودة. علاوة على ذلك، فإن العديد من الدول لم تعد تسمح بإنتاج أو استيراد إلا السلع/الخدمات عالية الجودة حفاظاً على مصلحة مواطنيها. لذلك أصبح يتوجب على مؤسسات القطاع الخاص بذل المزيد من الجهود من أجل إنتاج السلع/ الخدمات عالية الجودة، مستخدمة في ذلك الأساليب الإدارية الحديثة مثل: إدارة الجودة الشاملة، وإدارة المعرفة، وتطبيق المواصفات العالمية للجودة، وبخاصة إذا كانت المؤسسة ترغب في تسويق منتجاتها خارج حدود وطنها.
3) الأداء العالي والإنتاجية العالية: ازداد في نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي ظهور الشركات العملاقة في أماكن عديدة من العالم، كما ازدادت حدة المنافسة بين مختلف أنواع مؤسسات القطاع الخاص، وهو الأمر الذي أدى إلى ازدياد المنافسة للحصول على الموارد، التي أصبح بالإمكان القول إنها تكاد تصبح نادرة اليوم. ومن أجل أن تتمكن مؤسسة الأعمال، أي مؤسسة كانت، من تحقيق الربحية والبقاء والاستمرار، والتوسع والانتشار، فإن الضرورة تقتضي منها أن تُحْسِن استغلال الموارد المتاحة لديها الاستغلال الأمثل، ليتصف أداؤها بالأداء العالي، وإنتاجيتها بالإنتاجية العالية القادرة على تلبية احتياجات السوق والمستهلك.
4) الخصخصة: تمثل الخصخصة فرصة جديدة لأصحاب رؤوس الأموال تساعدهم على استثمار ثرواتهم في قطاعات كانت سابقاً حكراً على الدولة. وتعني الخصخصة انتقال ملكية المشاريع من القطاع العام إلى القطاع الخاص. فكما هو معروف، فإن الدولة تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية والأخلاقية تجاه مواطنيها من أجل توفير فرص العمل لهم، وكذلك تزويدهم بالخدمات اللازمة لهم. ومع ازدياد السكان ازدادت مسؤولية الدولة تجاههم، الأمر الذي جعل العديد من المؤسسات الحكومية تصبح بمثابة عبء على الدولة، وعاجزة عن تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. لا بل إن الأمر تعدى ذلك حين أصبحت الحكومات تنفق على مؤسسات خاسرة، متدنية الإنتاجية. ومع ظهور موجة العولمة والتحول نحو السوق المفتوح أو السوق الحر، بدأت الدول تفكر في التخلص من المؤسسات التي كانت تشكل عبئاً عليها، لتقوم ببيعها إلى القطاع الخاص، الذي يتولى أمرها. ومهما تعددت الآراء وتباينت حول موضوع الخصخصة، فإنه يبقى ميداناً لفرص استثمارية واسعة يستفيد منها القطاع الخاص، خاصة وأن المؤسسات الحكومية التي تمت خصخصتها كانت أساساً قطاعات محتكرة من قِبَل الحكومات، ولم يسبق للقطاع الخاص أن استثمر فيها. لذلك، فإن التحدي الذي تواجهه مؤسسات القطاع الخاص في هذا المجال يتمثل في البحث عن هذه الفرص الاستثمارية الجديدة، واغتنامها.
5) العولمة: سواء أكانت العولمة إيجابية حسب رأي البعض أم أنها سلبية حسب رأي البعض الآخر، فإنها أصبحت أمراً واقعاً في عالمنا اليوم، وإن اختلفت الآراء حول مستقبلها. وإذا كنا نشهد اليوم العولمة السياسية، والعولمة الفكرية، بل وحتى العولمة الاجتماعية، فإن الأساس فيها أنها عولمة اقتصادية، تهدف إلى إزالة الحدود والحواجز بين الكيانات الاقتصادية العالمية لتصبح اقتصاداً عالمياً واحداً، وسوقاً عالمية واحدة. وبسبب ظهور التكنولوجيا المتقدمة، وثورة الاتصالات والمعلوماتية التي يشهدها الكون، يتوقع لموجة العولمة هذه أن تستمر لسنوات عديدة قادمة، خاصة وأن الظروف السياسية السائدة تساعد على ذلك. من هنا، فإنه يجب على مؤسسات القطاع الخاص أن تستجيب لتحدي العولمة، لأن المنافسة أخذت تزداد حدة داخل السوق والاقتصاد العالمي الواحد، ولأن البقاء سيكون للمؤسسات الأقوى القادرة على العمل على صعيد عالمي لا على صعيد محلي أو إقليمي. ويمكن الاستجابة لهذا التحدي من خلال تحقيق الميزة التنافسية، ومن خلال اندماج مؤسسات القطاع الخاص مع بعضها البعض، وغير ذلك مما يمكنها من مواجهة هذه الموجات العارمة.
6) إدارة التغيير والإبداع: في ظل العولمة، وفي ظل الاقتصاد العالمي الواحد والسوق العالمي الواحد، وما يفرزه ذلك من منافسة حادة بين مؤسسات القطاع الخاص لتحقيق الميزة التنافسية والاستحواذ على أكبر حصة سوقية، وما لم يكن هناك إطار مُمَأسَس لإحداث التغيير والإبداع من أجل تجديد حياة المؤسسة، فإن مؤسسات القطاع الخاص لن تكون قادرة على مواجهة التغير الحاصل في رغبات وأذواق المستهلكين والاستجابة له، وكذلك لن تكون قادرة على التكيف مع مختلف المستجدات. لذلك، فإن مؤسسات القطاع الخاص مدعوة إلى إحداث التغيير والتطوير بشكل مستمر، وإلى تعزيز وتنشيط جهود البحث والتطوير، ورعاية الإبداع والابتكار والتجديد، حتى تتمكن من تحقيق الميزة التنافسية، وبالتالي الوقوف أمام المنافسة الحادة التي تتعرض لها في السوق العالمي الواحد.
7) المؤسسة المتعلمة: إن الابتكار والتجديد والتطوير في أي مؤسسة من المؤسسات لن يتحقق ويتجذر إلا إذا كانت المؤسسة مؤسسة متعلمة. ويقصد بالمؤسسة المتعلمة المؤسسة التي تسعى بشكل مستمر إلى توسيع مدارك أفرادها من خلال تزويدهم بالمعرفة والخبرة والتجربة والدروس المستفادة من الأحداث التي تمر بها منظمتهم، حتى يطوروا ذلك إلى سلوك تنظيمي يهدف في النهاية إلى بقاء واستمرار المؤسسة. لذلك، ومن أجل مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، يجب على مؤسسات القطاع الخاص أن تتحول من مؤسسات تقليدية إلى مؤسسات معاصرة تؤمن بأهمية المعرفة والخبرة والتجربة في مجال تحقيق التغيير والإبداع والتجديد والابتكار في مختلف أنحاء المؤسسة: سلعاً وخدمات، وأنظمة وإجراءات، وعمليات، وأسلوب إدارة، لتتمكن من البقاء في ظل هذه المنافسة الحادة التي تأخذ مكانها في اقتصاد عالمي واحد وسوق عالمي واحد.
8) التنبؤ بالتوجهات الجديدة الناشئة في الأسواق والاستجابة لها: تواجه مؤسسات القطاع الخاص اليوم تغيراً حادا ومتواصلاً في البيئة الخارجية التي تعمل فيها، وفي طلبات الجمهور، وفي أساليب البحث والابتكار. ويتوجب على مؤسسات القطاع الخاص وباستمرار مراعاة هذه التوجهات الخارجية وفق مؤشرات التغيير حتى تستطيع رسم اتجاهاتها ومبادراتها إزاءها. لقد ولَّـدَ التسارع الحثيث للابتكار ضغوطاً على العديد من مؤسسات القطاع الخاص، بسبب صعوبة تقصي مسارات ذلك الابتكار بدقة عبر سنوات لاحقة، مما يدفع بهذه المؤسسات إلى تبني مداخل للتعامل مع ديناميكية بيئة الأعمال الدولية التي تمارس فيها نشاطها.
9) ازدياد حدة المنافسة وتنوع أساليبها: لقد أخذ المستهلك يستعرض هذا الكم الهائل من السلع والخدمات البديلة المتوافرة بكثرة في الأسواق. وبعد أن كان ولاؤه موجها نحو مصدر واحد من مصادر الحصول على تلك السلع والخدمات، أصبح هذا الولاء اليوم متأرجحا بين سلسلة واسعة من تلك المصادر، وأصبح باستطاعته الحصول على السلعة أو الخدمة التي يريدها من أكثر من مصدر. 
10) التغير التكنولوجي المتسارع: ويعتبر أحد أهم المؤثرات الخارجية في أعمال مؤسسات القطاع الخاص، التي اضطرت، بفعل التغيرات في البيئة الخارجية، إلى أن تركز أكثر على كيفية تسخير التكنولوجيا لتحقيق الميزة التنافسية. كما أدركت هذه المؤسسات الحاجة إلى تطوير كفاءة وفاعلية عملياتها لضمان التنافسية. وتدرك مؤسسات القطاع الخاص اليوم أن التكنولوجيا هي أساس جميع عملياتها ووظائفها ومهامها، علاوة على أنها تسهل نشاط الإدارة والاتصال. واليوم، فإن العديد من مستهلكي السلع والخدمات أصبحوا على ألفة ودراية باستخدام التكنولوجيا التي زادت من حجم توقعاتهم وتطلعاتهم التي فرضت ضغوطاً مهمة على مؤسسات هذا القطاع التي اضطرت إلى الاعتماد على التكنولوجيا بشكل قوي، وإيجاد بنية تحتية قوية، وبحيث أصبح المستهلك قادرا على مخاطبة تلك المؤسسات وإعلامها باحتياجاته من السلع والخدمات. وهو ما دفع بمؤسسات القطاع الخاص إلى أن تفكر ملياً في أن يكون موقعها الالكتروني عاكساً لصورتها وللقيمة التي ستضيفها إلى جمهورها الحالي والمحتمل. 
أما على صعيد البيئة الداخلية فإن أبرز التحديات التي تواجهها مؤسسات القطاع الخاص اليوم:
1. الاحتفاظ بالعاملين: إذ تواجه مؤسسات هذا القطاع اليوم صعوبة في الاحتفاظ بمواردها البشرية، بسبب مغادرة هؤلاء العاملين لمؤسساتهم والانتقال للعمل في مؤسسات أخرى، نظرا لما يُقدم لهم من مغريات مالية وبيئة عمل متميزة. ومن أجل مواجهة هذه الظاهرة، فإن الأمر يقتضي من مؤسسات القطاع الخاص وضع السياسات التي تساعدها على الاحتفاظ بمواردها البشرية، ووضع هذه السياسات موضع التطبيق
2. علاقات العمل: أصبحت علاقات العمل داخل مؤسسات القطاع الخاص تتسم بالتعقيد بسبب التركيز على تحقيق الأداء العالي المتميز، واكتساب المهارات الحديدة، واستخدام التكنولوجيا المتقدمة 
3. محتوى قوة العمل: أخذت مؤسسات القطاع الخاص تسعى اليوم إلى أن تكون أكثر مرونة حتى تتمكن من الاستجابة السريعة للاحتياجات والمتطلبات المتجددة باستمرار، ولن يتحقق ذلك الا من خلال وجود قوة عمل مرنة تتبنى التغيير الذي تتطلبه البيئة الخارجية. 
4. تطور أدوار ومسؤوليات العمل: أحدثت التطورات التكنولوجية وما استجد في مجالي النظم والعمليات، بالإضافة الى التحول التدريجي نحو الهياكل التنظيمية المتعددة، نقلة في محتوى ومضمون عمل غالبية العاملين. لذا، فإن من غير المتوقع أن يحتفظ العاملون بنفس الأدوار، ويتمتعوا بذات المسؤوليات ولفترة زمنية طويلة نسبياً، ذلك أن هناك أدوارا جديدة وإمكانات جديدة تسمح بأداء الأعمال بشكل مختلف. وغالباً ما يجري إعداد العاملين كأعضاء فرق عمل مؤهلين وعلى درجة من الاستقلالية وتحمّل المسؤولية للقيام بالعمليات الموكلة لهم. ومع أن مثل هذا الأمر يبعث على التفاؤل، فإنه يعكس أيضا التحديات أمام أولئك الذين عليهم التكيف، وإدراك الأدوار المطلوبة. وما قيل عبر الأسطر السابقة ما هو إلا جانب واحد من بيئة العمل الحديثة: أفراد يجب أن يتطوروا، ويتكيفوا مع توقعات العمل الجديد، ويطوروا مهارات جديدة، ويتوقعوا تحديات أكثر مستقبلاً.
5. فريق العمل: عمل التحول إلى اقتصاد المعرفة على زيادة تعقيد أنشطة العمل، إذ تنبه أصحاب العمل إلى أهمية اكتشاف الخبرات، وتنوعها، والوصول إليها، كما أدركوا أهمية الحصول على المعرفة من مصادر عدة. لقد أصبح العمل اليوم يتطلب أن يعمل الأفراد سوية لإنجاز هدف مشترك، خاصة إذا كانوا يعملون في مجالات الخدمة. وفي بعض الأحيان يمكن لجماعات الأفراد تشكيل فرق عمل قوية يسودها شعور بالجماعية والهوية الواحدة والثقافة الواحدة وتقدير بعضهم لبعض، ويترافق ذلك مع شعور ببقاء الجماعة وديمومتها لمدة طويلة نوعا ما، في حين قد يعمل أفراد آخرون ومن خلال جماعات عمل كفؤة، ويحققوا أهدافا متميزة إلا أنهم قد لا يتولد لديهم شعور بالبقاء سوية لمدة طويلة. وقد يستطيع بعض الأفراد العمل عبر فرق عمل، أو جماعات عمل متعددة إذا أدركوا أن بينهم أشخاصا مرغوبا فيهم لما يتمتعون به من خبرة ودراية ومعرفة. وقد تزايد الميل مؤخرا نحو تشكيل فرق المشاريع وفرق العمل بسبب ما تحققه هذه الفرق والجماعات من نجاح. 
هذه هي بعض الأفكار التي من شأنها العمل على تطوير أداء القطاع الخاص في الأردن، ويمكن لمؤسسات القطاع العام الأخذ بها وتكييفها بما يتفق مع واقعها.