ديمقراطية الانتخابات
يكاد يكون من الشائع في أدبيات الثقافة الانتخابية تلازم شرطّي الحرية والنزاهة , وهذا ما أكدته الحكومة على لسان الحكومة بأن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة كما هي العادة ، مما يدعوا الجميع للمشاركة الفاعلة وبأن تكون الانتخابات شاملة . والمقصود بالشمول ، وهو مفهوم نسبي لحد ما ، بأن تهيأ كل الظروف المتاحه للمواطنين للتصويت متجاوزين أية تقييدات أو عقبات أو معوقات قد تصعّب أو تقلل قدرتهم على المشاركة في الانتخابات ، وان تكون اجراءات الانتخابات على قدر عالٍ من النزاهة والشفافية والضبط , وأن تعطى الأحزاب مهما كانت صغيرة فرصة حقيقية للتمثيل في هذه الانتخابات , وخاصة ان التعديل الجديد يعتمد على القوائم للترشح , والذي في الاصل يجب ان يحفز الاحزاب لتشكيل قوائمها الانتخابية الحزبية .
ورغم أن الديمقراطية تعرف بأنها حق الأغلبية في الحكم ، فهي في نفس الوقت حق الأقلية في ممارسة ديمقراطية كاملة . فلكي تكون الانتخابات ضرورة ديمقراطية لا بد لها من البحث عن طرق مثلى للتمثيل الشامل .
ولا تقتصر عملية حرية ونزاهة الانتخابات على الضمانات القانونية والدستورية فقط ، فهي ليست كافية بمفردها لضمان ديمقراطية الانتخابات. بل يتعداها بالتأكيد على أهمية الوعي السياسي و درجة التحديث والاندماج الحقيقي في العملية السياسية لتكريس الديمقراطية. ففي كثير من الأحيان يمكن أن توجد دساتير وقوانين جيدة، ولكن تبقى الممارسة ناقصة. وهذا ما نقصده بتحول الديمقراطية إلى ثقافة وليس مجرد آليات وتقنيات لتداول السلطة .
لذا فإن السؤال الكبير هو حول المعايير والأسس التي يجب أن تستند اليها عملية اختيار المرشح وانتخابه مروراً بتصورات المواطنين حول ما يجب أن يقوم به المُنتخب كي يلبي طموحاتهم ويحقق التفاعل والتواصل معهم ويفي بوعوده ويقدم افضل خدمة .
الحوارات التي تجري هذه الأيام تعكس رغبة الناس في وصول الكفاءات القادرة على تقديم الافضل وتجاوز القصور وعدم الكفاءة والترهل الذي ساد المرحلة السابقة . لكن ثمة تخوفاً دائماً من اشكالية المعايير والمؤشرات التي تستند اليها عملية الاختيار والانتخاب كما هي الحال دائماً بالنسبة لعملية تقويم الأداء .
وتكمن خطورة هذه الاشكالية عندما تقوم على قاعدة المنفعة الشخصية وعلى الأسباب والدوافع التي تجعلنا نختار اشخاصاً يفتقرون للكفاءة وليس لهم أي قبول في المجتمع .
إن المصلحة العامة تقتضي منا جميعاً أن نشارك في العملية الانتخابية ونسهم في تعميق النسيج الوطني وتنميته من خلال أهمية ترسيخ الفكر المؤسسي بتغليب المصلحة الوطنية , على المصلحة الفرديه والحرص التام يجب أن يتجه باستمرار نحو تحقيق النجاح الكبير للمؤسسات وليس للأفراد .
ومن هنا لابد من التأكيد على اختيار كفاءات قادرة على تعميم ثقافة الإصلاح وثقافة المصلحة العامة بعيداً عن المجاملات والمزايدات التي تقوم عادة على قاعدة الارتباطات البدائية المختلفة والمتخلفة من فئوية وعشائرية ومناطقية ومنفعية .
ولعلنا نتفق جميعاً أن الأسماء والصور الملونة في الشوارع لا تكفي وحدها لجذب الناس إلى المشاركة الفاعله في الانتخابات .
لذا يتوجب علينا ان تكون ممارستنا الانتخابية واعيه , سواء من قبل الناخبين أو المرشحين او القائمين على العملية الانتخابية بشقيها الرسمي والشعبي , كل ذلك سيؤكد ليس فقط استيعابنا للتجربة بل تفوقنا في تقديم انفسنا للآخر (والآخر هنا هو من يملك حق الاختيار) واقناعه بأن ينحاز الينا.
فانجاح تجربتنا الانتخابيه قد يغري بالمزيد من اشاعة ثقافة الانتخابات في حياتنا الاجتماعية والعملية بمعنى عدم مصادرة الرأى المعارض واحترام مواقف واختيارات الآخرين أو على الأقل محاولة تفهمها وادراك ابعادها ومنطلقاتها وعدم تحويل الاختلاف الى خلاف . ويدفعنا ايضاً الى التسامي على الممارسات السلبية في العملية الانتخابية , والتي ستعطي اشارة ايجابية عن مسيرتنا الديمقراطية والتي ندعي بانها ناجحة مقارنة بمن حولنا .