«داعش».. وسيناريو الصدمة والترويع !

قبل يومين شاهدت فيلما سينمائيا اميركيا يعود تاريخه الى بداية السبعينات. عنوان الفيلم « دويل» وبطله صهريج ضخم ، نجح المخرج ستيفن سبيلبرغ الى حد بعيد في تحويل الصهريج الى وحش يطارد سائقا لافتراسه باسلوب يحبس الانفاس. في تلك اللحظة تذكرت الشاحنة المتوحشة التي حصدت ارواح الابرياء في مدينة « نيس « الفرنسية، يوم الاحتفال بسقوط الباستيل، حيث حول الشرير تلك الشاحنة الى اداة قتل جماعي، باسلوب يشبه ما يحدث في الافلام السينمائية، التي تنتهي عادة بتحطيم الشر وهزيمته.

وعلى سيرة السينما ، والصهريج والشاحنة ، والارهاب والقتل الجماعي ، لاحظت أن تنظيم داعش يهتم كثيرا بتفاصيل وصور واسلوب القتل والذبح ، وكلها تحدث بطريقة استعراضية معدة سلفا حسب سيناريو سينمائي هدفة بث الرعب والترويع والصدمة ، وكأن التنظيم يجند عددا من المخرجين والمصورين من عشاق السينما الاميركية التي تهتم بافلام العنف والرعب عادة.

ما حدث في مدينة نيس الفرنسية يستحق التوقف والادانة والكتابة والاهتمام. لذلك اردت الكتابة عن الجريمة المحزنة المؤسفة في وقتها ، ففتشت في ذاكرتي علني اجد الكلمات المناسبة القادرة على التعبير عن هول المذبحة في المدينة المتوسطية الهادئة الجميلة ، بعدما ادخلتها الدماء في عزلة الصيف والحزن ، الا ان الانقلاب الفاشل في تركيا وتداعياته خطفت الاهتمام والانظار نحو انقرة واسطنبول ، لأن ما حدث في تركيا سيلقي بظلاله على المنطقة كلها ، في هذه المرحلة المصيرية التاريخية ، وفي زمن يتغير فيه الواقع بشكل متسارع ، وتتغير فيه التحالفات حسب المصالح.

وفي حضرة المشهد الدامي في مدينة نيس وفي ظل تفاصيله المأساوية ، لم اكترث كثيرا لمشاعر الدول الغربية التي شجبت الجريمة الشنيعة ، ولم اتوقف امام الحزن والبكاء الالكتروني المعتاد ، كما لم أهتم لهذه الانسانية المضحكة المشبعة بالنفاق ، لأنني على يقين بان مسلسل القتل والعنف الذي ضرب العواصم الاوروبية حتى الان ، لم يكن كافيا لاقناع قادة الدول الاوروبية بضرورة المشاركة الفاعلة الحقيقية في محاربة الارهاب والقضاء على التنظيمات المسلحة الارهابية.

الحقيقة أن الدول الاوروبية ، ما زالت في مقاعد المشاهد تصفق من بعيد ، رغم كل التصريحات العنترية حول عزمها على محاربة الارهاب ، وهي التصريحات التي نسمعها في مواسم الضربات الارهابية في المدن الاوروبية فحسب ، بهدف الاستهلاك الاعلامي. الحقيقة ان روسيا وحدها تشارك في هذه الحرب بشكل عملي جاد ومكلف ، عبر توجيه ضربات جوية موجعة لكل التنظيمات الارهابية بلا استثناء.

وعندما نتابع ونراقب تطورات المشهد السوري نرى أن الدول الاوروبية مصرة ، وبعناد منغولي عبثي غير مقنع على التدخل في الشأن السوري الداخلي ، وهي تسعى الى احداث التغيير السياسي الذي تريده ، أي انها تريد انتزاع دور الشعب السوري وفرض رغبتها ، وهي تعرف أن للشعب السوري وحده الحق في تقرير مصيره وصياغة مستقبله واختيار شكل الحكم في بلاده.

لذلك اقول ان العملية الارهابية في مدينة نيس ليست الاولى ولن تكون الاخيرة ، لأن التنظيمات الارهابية لديها مشروعها الارهابي ، وفي مقدمتها داعش الاقوى والاكبر ، الذي اعتقد ان لديه مخططاته الاوسع بعدما تحول من تنظيم الى تيار عقائدي شمولي ، ولديه القدرة على التخطيط والتصوير والاخراج والانتاج والتنفيذ ، بمساعدة دول عديدة ، وفي السر والعلن. اما الدول الغربية فليس لها سوى النفاق ، وربما المصلحة في استمرار الصراع في المنطقة.